وحج عنهم قضا بعدما ارتحلوا ... قوم سيقضون عني بعد ترحالي
فإن يفوزوا بغفران أفز معهم ... أو لا فأني بنار مثلهم صال
ولا أريد نعيماّ لا يكون لهم ... فيه نصيب وهم رهطي وأشكالي
فهل اسر إذ حمت محاسبتي ... أم يقتضي الحكم تعتابي وتسالي
من لي بجبريل أدعوه أرخمه ... ولا أنادي مع الكفار يا مال
باتوا وحتفي أمانيهم مصورة ... وبت لم يخطروا مني على بال
وفوقوا لي سهاما من سهامهم ... فأصبحت وقعا عني بأميال
لما هتفت بنصر الله أيدني ... كأن نصرت بجبريل وميكال
وجاء عزريل كالمهتاج يثار لي ... فيقبض الروح متغاظا بإعجال
لقيتهم بعضا موسى التي حرمت ... فرعون ملكا ونجت آل إسرال
فما ظنونك إذ جندي ملائكة ... وجندهم بين طواف وبقال
ولا يخفي أن هذه الأبيات الأخيرة تشير إلى الحادث الذي رويناه، وتحاول أن تثبت وقوعه -أو بتعبير أدق- تحاول أن تبت الذين صدقوا وقوعه، ورووه على تصديقهم هذا. ومن لم يصدق أمر ذلك الحادث ولم يسمع به، فله أن يحمل هذه الأبيات محمل الفخر والاعتزاز بالنفس، والازدراء للأعداء. وأحسب أن المعري ذكر الملائكة وعصا موسي ليشير إلى قصة الأوتاد التي أمر هو بدقها إزاء مصعد المريخ، وليوهم ضعاف العقول أو ثقالها، ممن لا يخلو إيمانهم من عنصر الخوارق، بأنه كان على اتصال بالملا الأعلى!
ثم قال يصف الحال التي كان عليها من الزهد:
أقيم خمسي وصوم الدهر آلفه ... وأدمن الذكر أبكارا بآصال
يومان أفطر من دهري إذا حضرا ... عيد الأضاحي يقفو عيد شوال
لا آكل الحيوان الدهر مأثرة ... أخاف من سوء أعمالي وآمالي
وأعبد الله لا أرجو مثوبته ... لكن تعبد إكرام وإجلال