للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمره أن يغرس في الدار أوتادا بإزاء ذلك الكوكب. ولما فرغ الخادم من فعل ما أمره به، جعل يدعو وفي يده حبال منوطة إلى الأوتاد، ويقطع كلامه بألفاظ غير مفهومة، ويقول: "الدار! الدار! "، "الجنود! الجنود"، الوزير! الوزير! ". وما إن طلع الصبح حتى وجد الناس أن الدار قد انقضت على الجنود فأهلكتهم. وأن الوزير قد سقط من الدرج، فاندقت عنقه (١).

وهذه القصة غاية في الغرابة. ولا يمكننا نحن في هذا العصر أن نقبلها، على أنه يبدو أن معاصري أبي العلاء قد قبلوها وصدقوها، وتهيبوه من أجلها. ولا استبعد أنه كان يعجبه هذا التصديق منهم- ولم لا يعجبه، وهو ما يزيده قوة وسطوة وجبرية، حتى على الأمراء وأصحاب الدولة والصولة، وكأني به قد شعر شعورا قويا بهذه الحقيقة الهائلة، وهو يترنم بقوله المتمسكن المتذلل:

فأترك لأهل الملك لذاتهم ... فحسبنا الكمأة والأحبل (٢)

ونشرب الماء براحاتنا ... إن لم يكن ما بينا جنبل

ومما يؤكد زعمنا أن أبا ال علاء لم يكن يكره أن ينسبه الناس إلى الولاية والقدرة الربانية، هذه الأبيات اللامية التي رواها له مترجموه، وهي فيما أرى، من ديوانه "استغفر واستغفري" الذي قد ضاع أكثره أوكله. قال (٣):

أستغفر الله في أمني وأوجالي ... من غفلتي وتوالي سوء أعمالي

قالوا كبرت ولم تقصد تهامة في ... مشاة وفدٍ ولا ركابٍ أجمال

فقلت إني ضرير والذين لهم ... راي راوا غير فرض حج أمثالي

ما حج جدي ولم يحجج أبي وأخي ... ولا ابن عمي ولم يعرف مني خالي


(١) نفسه ٥٩ - ١٤٧٧ - ١٩٥.
(٢) اللزوميات ٢: ١٦٢ - الأحبل: اللوبياء. والجنبل: القدح الغليظ.
(٣) آثار أبي العلاء ٥٩ - ١٤٧ - ٢٩٥ وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>