يغمرهم به أهل المعرة وغيرها من أجله. وقد راع ناصري خسرو، الرحالة الفارسي هذا البر، فوقع في وهمه أن المعري أمير، وأنه سري مثر، وأنه يحكم المعرة (١) وما أحسب أن لو كان المعري ضعيفا كزعمه، يجرؤ على مثل قوله:
مل المقام فكم أعاشر أمه ... أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها ... وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
وقوله:
وأري ملوكاّ لا تحوط رعية ... فعلام تؤخذ جزية ومكوس
وقوله:
مضي قيل مصر إلى ربه ... وخلي السياسة للآئل
وقالوا يعود فقلنا يجوز ... بقدرة خالقنا الآئل
إذا عاد زيد إلى طيئ ... وعاد كليب إلى وائل
وما أحسب أبا العلاء إلا قد كان يري نفسه هزبرا غشوما، وصالح بن مرداس أمير حلب، حمامة ضعيفة، حين قال فيه (أنظر اللزوميات):
بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام ... واسمع منه زئير الأسد
وقد روي أصحاب الأخبار أن تادرس وزير صالح بن مرادس هم بالفتك بأبي العلاء، فبعث إليه جنودا يحطون بداره، وبات الجنود ليلتهم بالمعرة، آملين أن يشرق عليهم الصبح، فيتحملوا الشيخ المسكين إلى ما حم له من عقاب. ولكن الشيخ المسكين قضي ليلته ساهراّ يهمهم ويزمزم. وأمر غلامه فرصد له المريخ. ثم
(١) راجع آثار أبي العلاء (تعريف القدماء بأبي العلاء) ٤٦١ - ٤٦٢.