للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الممدودة للتأنيث والإلحاق، هذا زيادة على اللواتي فيهن الهمزة أصلية. ومع هذا فهي ليست من الذلل حقا. والشعراء يتنكبون طريقها كما قال المعري (١). والسبب في ذلك عندي، هو أن مخرجها فيه قبح. ألا ترى أن الهمزات الممدودة للتأنيث كانت فب الأصل هاءات تأنيث أو تاءات تأنيث. ثم مال بها كسل المتكلمين إلى جهة الألف، ثم بالغ بعضهم في مد الألف حتى وصل بها إلى النهاية وهي همزة فيما زعم سيبويه. يؤيد هذا ما نراه من أن هاءات التأنيث في العبرية تنطق ألفات وتكتب هاءات، والعبرية أخت العربية. ثم ألا ترى أن أكثر الهمزات التي تجيء في أوساط الكلمات إن هي إلا نتيجة عجز من الناطقين أن يخرجوا الحرف الأصلي على صحته؟ دليل ذلك ما نراه في اللهجة المصرية العامية من استعمال الهمزة مكان القاف، وما نجده في اللهجة اللندنية الإنجليزية من استبدال التاء بالهمزة بين الطبقات التي لا تتكلف الفصاحة.

وهذا كله يقوي حجتنا في أن الهمزة حرف هجين. ويزيد هذه الحجة قوة، ما نراه عند فصحاء العرب من استعمال التسهيل، ومن الامتناع عن تحقيق الهمزتين المتجاورتين ذواتي الحركة الواحدة. وما دام أمر الهمزة كذلك، فليس ببدع أن نجد الشعراء قد تنكبوها في الكثير الغالب. وثم سبب آخر، غير ما ذكرناه، دعاهم إلى تنكبها، وهو أن أكثر ما تجيء الهمزة سهلة إذا كانت بعد ألف ممدودة، لا في نحو "أهنأ" و "مكفؤة" و "مروءة"، فهذه الثلاث حوش. وتوالي الألفات الممدودة في قصيدة طويلة فيه الإيطاء.

ومع هذا فقد جاءت في الهمزة كلمات جياد، أكثرها في البحر الخفيف سنتحدث عنها في أثناء الحديث عن الخفيف إن شاء الله.


(١) رسالة الغفران: ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>