للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما نهج المعري في الدرعيات فقد كان أصفى. وكأنه إنما أراد هذه المنظومات لمجرد التعبير عن نفسه بالدندنة والأنغام. وصفة الرمزية الغالبة عليها -أعني تشبيهه لنوع الحياة التي كان يحياها بالدرع الواقية- تؤكدما ننسه إليها من غلبة العنصر الذاتي عليها، وكذلك ضعف "عامل" طلب افعجاب (الواضح في قصائده البغدادية)، "وعامل" طلب السيطرة (الملموس في رسائله المنظومة وكثير من لزومياته) ولأن المعري قد كان في هذه القصائد مترنما، مناغيا للحروف والأصوات، في اسى وشجن، كان الجناس السجعين أغلب شيء عليها ويرافقه الجناس المتشابه تاما أحيانا، وغير تام كثيرا والمعري لا يحرص على أن يجانس بين كلمة في أول البيت وآخره دائما، وإنما يفعل ذلك حين يتيسر له، فإن لم يتيسر رضي بأن يكون الجناس بين كلمة في بيت سابق وآخر لاحق وعنصر الاطمئنان والثقة والرضا، الذي يكون الجناس بين كلمة في بيت سابق وآخر لاحق وعنصر الاطمئتان والثقة والرضا، الذي يكون أبدا مع المترنم الخالص الترنم، تلمسه جليا واضحا في القصائد الدرعيات ونكتفي هنا بأن نستشهد بجانب من قصيدته الميمية (١)

كم أرفمي من نبي وائل ... موائل في حلة الأرقم

للدلالة على بعض ما نقول ونلفت القارئ إلى هذه السلاسة والتدفق والصفاء الغامر لروح هذه القصيدة، ولعله يوازن بينه وبين الانفعال والحرارة والتدفع الذي ي قصيدته:

نبي من الغربان ليس شرع

والحزونة والعسر والإشراف من عل، الذي في رسائله المنظومة قال:

كم أرقمي من نبي وائل ... موائل في حلة الأرقم

يحمل منها صاديًا سابح ... مثل غدير الديمة المفعم

لاحظ خلو البيت الثاني من الجناس التام، واكتفاء الشاعر بحاء يحمل وسابح


(١) شروح سقط الزند ٤: ١٧٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>