للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاءات السكت، وأغرب فيها مع إجادة في ذلك، لا سيما فيما نظمه في الوافر. وقد التزم في كل ذلك ما لا يلزم. وأجود قصائده من هذا النوع عندي درعيته (التنوير ٢: ٣٠١ - ٤)

عليك السابغات فإنهنه ... يدافعن الصوارم والأسنه

وهي عندي من عيون الشعر العربي، وأسلوبها غاية في الطرافة. والمعري يتحدث فيها بلسان عجوز توصي ابنها أن يستكثر من الدروع، ويلهو عن أمر النساء، ويعرض عن الزواج، وتقول له:

عليك السابغات فإنهنه ... يدافعن الصوارم والأسنه (١)

ومن شهد الوغى وعليه درع ... تلقاها بنفس مطمئنه

فحن إلى المكارم والمعالي ... ولا تثقل مطاك بعبء حنه (٢)

وهذه وصية غريبة للغاية، إذ المعروف عن الأمهات أنهن يلححن على أبنائهن في أمر الزواج. وعجوز المعري هذه، بعد أن بدأت كلامها بهذا الأسلوب المثالي العالي، تهبط من سمائها، لتخاطب ابنها بلسان العاطفة الأرضية، فتقول له: إنه إذا تزوج، فستكون زوجته امرأة شابة مغرورة بجمالها وشبابها، وفي هذا ما يفسد جو الصفاء بينهما (أي أمه) وبينه، إذ ليست ..

........... كعابٌ ... ملائمة عجوزا مقسئنه

ترى تنومها وترى ثغامي ... فتهزأ من منهبلة مسنه (٣)

فإن يبيض للحدثان فودي ... فقد أغدو بفود كالدجنه (٤)


(١) السابغات: الدروع.
(٢) المطا: الظهر. والحنة هي الزوجة، تقول لابنها: حن إلى المعالي ولا تحن إلى النساء، فانهن عناء.
(٣) التنوم: نبت أخضر، والثغام: أبيض. والمنهبلة: الضعيفة.
(٤) الفود: الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>