للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما السارحات نطرن فيه .... عجبن لما سرحن وما دهنه

ألا ترى إلى هذه العجوز الهمة، كيف تتكلف النصيحة لابنها، وتدعي الشفقة عليه، والبر به، ثم لا تستطيع بعد ذلك أن تملك نفسها من وصف أيام شبابها الذي ولى، وجمالها الذي زال- وفي هذا وحده ما يسقط حجتها في تهجين الزواج، ويكشف عما في سويداء نفسها من الغيرة الشديدة على ابنها، والحرص على ألا تستبد به امرأة غيرها.

وبعد هذا تأخذ العجوز في ذم الخاطبات، وتحذير ابنها من مكرهن. وهنا يعطينا المعري صورة لجانب حيوي من جوانب عصره ومجتمعه. تأمل إليه كيف يتحدث بلسان العجوز عن أولئك الدلالات الداهيات، اللائي كن يتقاضين الأجور من أهل الفتيات، ليلتمسن لهن أزواجًا:

يقلن فلانة ابنة خير قومٍ ... شفاءٌ للعيون إذا شفنه (١)

ولسيت بالمعنة في جدالٍ ... وإن جدلت كما جدل الأعنة (٢)

رزان الحلم لو رزئت سهيلا ... أو الجوزاء ما نهضت مرنه (٣)

رجاحٌ لا تحدث جارتيها ... بنجوى من حديثك مستكنه (٤)

كأن رضابها مسك شنين ... على راح تخالط ماء شنه (٥)

تغنت من غنى مالً وصبرٍ ... وأما بالقريض فلم تغنه (٦)


(١) شفته: نظرته.
(٢) لا تعتن في الجدال، ولكنها ضامرة الخصر، مجدولة كالعنان.
(٣) مرنه: باكية.
(٤) رجاح: ذات عجيزة.
(٥) مسك شنين: أي فتيت: وشنة بئر طيبة الماء.
(٦) تغنت، في أول البيت: من الغني، وفي آخره: من الغناء، والهاء للسكت، أي لم تتغنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>