واستعمالك مع ذلك سجعة لقافية البيت، ما يُشعر بأن القافية مستبدة بالبيت استبدادًا كاملاً، من غير نظر للوزن. وإذ الوزن هو الأول والأقوى، فقد رأى الشعراء بحسهم الصادق الدقيق أن يتنكبوا هذا النوع وأحسب أنهم استعاضوا منه التجنيس السجعي، لذلك ناب في أسماعهم مناب السجع المشبه للقافية حقًا- كما في قول امرئ القيس:
برهرهة رودة رخصة ... كخرعوبة البانة المنفطر
فالراءات هنا تناغي القافية، من دون أن يكون في الكلام سجع ظاهر.
وقد ضربنا لك أمثلة على الشعر الذي يقع فيه التقطيع من دون سجع. والذي يباري الوزن ولا يسجع. وهاك أمثلة على الأنواع الثلاثة الباقية.
أ- التقسيم الوزني من غير تقطيع مع سجع مُخالف للقافية:
قال أبو المثلم الهذلي يرثي صخر الغي:
آبي الهضية، ناب بالعظيمة متلاف الكريمة، جلد غير ثُنيان وقال أمرؤ القيس يصف ثوبًا نصبوه، ونزلوا تحته:
أحسب الفعل "عالوا" على صيغة الماضي لا الأمر، أي فرفعوا علينا فضل ثوب وجعلوا له طُنبًا، ويدلك أنه على صيغة الماضي، سياق الوصف بعده، إذ جعل امرؤ القيس يصف هذا الطنب، والبيت الثاني هو محل الشاهد من كلامنا:
وأوتاده ماذية، وعماده ... رُدينية، فيها أسنة قعضب
وأطنا به، أشطان خُوص نجائب ... وصهوته، من أتحمي مشرعب
أي حبالة من حبال نوقنا النجائب، وصهوته من ثوب أتحمي مُمزق.