وأغيد يهوى نفسه، كل عاقل ... عفيف، ويهوى جسمه، كل فاسق
يُخبر عما بين عاد وبينه ... وصدغاه في خدي غلام مراهق
وما الحسن في وجه الفتى شرفًا له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق
وعندي أن هذه الأبيات من أفصح ما نطق به اضطراب عاملي الحضارة والبداوة في نفس المتنبي. وألفت نظرك إلى هذه الغانية التي تعد الشاعر وعدًا يريده هو أن يكون كاذبًا على حسب ما توجبه مقاييس البداوة في الحب والغزل ويعجبه في نفس الوقت، أنه وعد غير كاذب، وأنه ليس بوعد أعرابية بخيلة، تحميها الغيرة والصوارم والقنا، وإنما هو ووعد قينة من قيان حاضرة، لا تعرف من الصدود إلا اسمه.
وألفت نظرك أيضًا إلى هذا الأغيد الذي نظر المتنبي إلى جسمه، كما كان ينظر أبو تمام إلى غلمان الترك والخزر، وأعجبه منه ما كان يُعجب الأذواق الحضرية المنحرفة، التي كان يعيش في دنياها، ثم أبت له كبرياؤه البدوية بعد، إلا أن "يغالط في الحقائق نفسه"، ويدعي أنه لم يعجبه من هذا الأغيد غيده وجماله ولكن أعجبته منه نفسه وخلقه، وأعجبه ذكاؤه كما أعجبه علمه "وأنه كان يخبر عما بين عاد وبينه"، ولعله كان يعرف النحو والصرف، ويحفظ كتابي الكامل والفصيح، ويروي أشعار تنوخ وهذيل. ولا ارتاب لحظة في أن المتنبي كان يشعر بالخطيئة، وهو يقول هذا الكلام، خطيئة من سمح لنفسه البدوية الفطرية، أن تستحسن هذا النوع من