للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين التقسيم والطباق، فكما توفر حظهما منهما كانت أفضل. ومن أملح ما رويناه في الموازنة وتعديل الأقسام مما يجب أن نختم به هذا الباب قول ذي الرمة:

أستحث الركب عن أشياعهم خبرًا ... أم راجع القلب من أطرابه طرب

لأن قوله: "أستحدث الركب" موازنة لقوله: "أم راجع القلب"، وقوله، "عن أشياعهم خبرًا" موزان لقوله: "من أطرابه طرب"، وكذلك "الركب" موازن "للقلب" و "عن" موازن "لمن" و "أشياعهم" موزان "لأطرابه"، و"خبرًا" موازن "لطرب" اهـ.

وابن رشيق يستعمل المقابلة هنا بالمعنى الواسع، وهي تعادل ما نسميه الموازنة وما سماه "لوث": parallelismus Membrorum، وإنما ذكرنا كلامه اعترافًا بفضله وسبقه، وتبركًا بذلك.

هذا، والموازنة الموهمة للقسمة من أفعل الأشياء أثرًا في زيادة جرس الشعر، وكلما بعد موضعها عن التقسيم، وزاد إيهامها به، كانت أقوي، مثل قول الحطيئة:

ملوا قراه، وهرته كلابهم ... وجرحوه بأنياٍب وأضراس

فجرحوه، موازنة للمواقراه، على أنه ليس بموقف. ومن هذا النوع قول البحتري:

بأروع من طي كأن قميصه ... يزر على الشيخين زيد وحاتم

فقوله: "يزر على" يوهم القسمة، لموازنته لقوله "بأروع من".

وأحسب القارئ الكريم، قد أدرك ما تفعله الموازنة من ربط جرس الألفاظ، بالوزن الذي وضعت فيه. ومن ربط هذين معًا، بالمعنى الذي يبلغ السمع. وقد سبق أن فصنا الحديث عن الوزن، فليربط القارئ بين ذلك، وبين ما فصلناه هنا من الحديث عن الجرس، فإنما كان الفصل بينهما بغرض الدرس والتحليل. وسبيل الناقد أن ينظر إلى الشعر من حيث إنه كل واحد لا يتجرأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>