للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهنا يخيل إليك أن البيت مقسم، وإنما هي الموازنة بين أجزائه، تلعب بسمعك وتخادعه. ونحوه قول المتنبي:

ضروب ما بين الحسامين ضيق ... بصير وما بين الشجاعين مظلم

ونحو هذا كثير في الشعر العربي. وتجده في أبيات الحطيئة السابقة. عند قوله: "حدوت بحيث يستمع الحداء".

وقد وقف ابن رشيق عند بيت ذي الرمة المذكور قبل هذا، وقفة طويلة، استطاع أن يدرك بها سر هذا الذي سميناه الموازنة، وسماه "لوث" بالموازنة "العددية" ... قال وهو يتحدث عن المقابلة (١): " ومن الشعر ما ليس مخالفًا ولا موافقًا كما شرطوا، إلا في الوزن والازدواج فقط، فيسمى حينئذ موازنة؛ نحو قول النابغة:

أخلاق مجد تجلت ما لها خطر ... في البأس والجود، بين الحلم والخبر

وعلى هذا الشعر حشا النعمان بن المنذر فم النابغة درًا، وينضاف إلى هذا النوع، قول أبي الطيب:

نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال

فوزان في قو "حياتك" بقوله: "في منامك" وليس بضده ولا موافقه، وكذلك صنع في الموازنة بين حبيب وخيال؛ وإن اختلف حرف اللين فيهما، فإن تقطيعه في العروض واحد، فأما قول أبي تمام:

فكنت لناشيهم أبا، ولكهلهم ... أخا، ولذي التقويس والكبرة ابنما

فإنه من أحكم المقابلة، وأعدل القسمة. وقد بينت في هذا الباب أن المقابلة


(١) العمدة ٢: ١٩
(٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>