للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الذي تمثلنا به كله، يبين لك قوة ما بين الموازنة المجارية للتقسيم، والموهمة له، وما بين هذين البحرين الطويل والبسيط، فأنت ترى الشاعر فيه، إما يقسم عند كل جزء، وإما يشير إلى التقسيم بما يتعمده من الموازنة.

ومما يلفت النظر كثرة هذه الأصناف التي يجيء فيها التكرار والإيهام والسجع عند هذيل (١). وهذيل كانوا في طرف الحجاز مما يتاخم نجدًا شرقي مكة والطائف، وكانوا موغلين في البداوة والتأبد، وكانوا يسعون إلى الأسواق ولا تسعى إليهم. فهم بهذا كانوا أبعد من التأثير المشرقي التميمي، إذا قسناهم بالقبائل الكبيرة مثل غطفان والقبائل التي كانت تسكن في مكة وحلولها، وفي الطائف وحولها. وكأن الوزن المشرقي، لما وصلهم من إخوانهم الحجازيين ولما سمعوا ذرءً منه في الأسواق، غبر زمنًا بينهم وهو ممزوج بالأصناف التقسيمية التوازنية، الصارخة الظاهرة، الغالبة عليها دندنة التأبد والوحشية.

وبنو أسد يشبهون هذيلًا شيئًا، من ناحية انتحائهم عن الحجاز، ومتاخمتهم نجدًا، وبعدهم عن سبيل الأسواق، فقد كانوا يسكنون قريبًا من ناحية أجأ وسلمى وذانك معدودان في طرف الحجاز، متوسطين (إلى الجانب النجدي) بين غطفان وطيء. وقد ترك لنا بنو أسد أثرًا شعريًا مهمًا للغاية، يدل على غلبة التقسيم في مذهبهم، وهو قصيدة عبيد بن الأبرص المعلقة:

أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب

وقد عاب قدامة هذه القصيدة من جهة الوزن (نقد الشعر ١٠٧)، وذكر أن عبيدًا أسرف في تخليعها، وفي مداومة الزحاف، حتى لم يكد يسلم منه فيها بيت واحد واستشهد بقوله:


(١) وفي أبيات غير مستقيمة تجري هذا المجرى، راجع: ٢٣٠: ٢، ٤، ٧٩، ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>