للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرء ما عاش في تكذيب ... طول الحياة له تعذيب

وقال: "هذا معنى جيد، إلا أن وزنه قد شانه، وقبح حسنه، وأفسد جيده". ولو قد أحسن قدامة التأمل، لوجد أن شاعر هذه القصيدة أجراها على التقسيم والموازنة، مشربًا لها روح الوزن البسيط المخلع، وهو وزن لم يستقر في فؤاده، يدلك على ذلك توفيقه إليه في نحو قوله:

وكل ذي غيبة يئوب ... وغائب الموت ولا يئوب

من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب

ولعل امرأ القيس أعجبه اضطراب عبيد الجاري على الموازنة والتقسيم، فباراه بكلمته:

عيناك دمعهما أوشال ... كأن غربيهما سجال (١)

وقد وقع عروة بن الورد في قريب مما وقع فيه عبيد، إذ حاول الوزن الكامل الأحذ, وهو وزن مشرقي لم يستقر في قلبه، فما كان منه إلا أن مزجه بالتقسيم، فجاء له منه هذا البيت الذي رواه قدامة:

ونكحت راعي ثلة يثمرها ... والدهر فائته بما يبقي

فعجز هذا جار على الكامل الأحذ، إلا أن صدره جار على الموازنة والتقسيم.

وقد اتصل امرؤ القيس ببني أسد اتصالا شديدًا، وظهرت أوائل خلاعته وهو بين ظهرانيهم، فطرده أبوه كما يروي الرواة، فجعل يتنقل بين مياه العرب، ويأوي أحيانا إلى عمه شرحبيل بين بني تميم. ولا شك أن امرأ القيس قد علق بفؤاده من التقسيم والموازنة التي رآها عند بين أسد، شيء كثير، وشعره ناطق بذلك، إذ لا تجد


(١) لنا عودة إلى بائية عبيد في الجزء الرابع إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>