للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بعد، إذ ذكر أنه كان يذهب في شعره مذهبًا قريبًا من مذاهب النثر الجاحظي وما إليه من طريقة الكتاب. وليس ببعيد أن يكون ابن الرومي قد جارى كتاب زمانه -وكان كما قد تعلم كاتبًا- ليظهر لهم قدرة القصيد على ما كانت تتعاطاه أساليبهم من أغراض البلاغة، فضلاً على الذي كان آخذًا فيه معهم بنصيب. ولقد أوشك بفعله هذا أن يخرج بالقصيد في نظمه جملة واحدة على النهج الذي أريد له ولم يك ليصلح إلا عليه.

وقد وهم فيما أحسب ابن رشيق وابن حزم إذ نعتاه بدقة الغوص على المعاني كما لم ينعتا غيره. فأوشك الأول أن يقدمه على أبي تمام، إلا أنه احترس بما ذكر من إجماع النقاد على أبي تمام (١)، ولم يقدمه بحال على الأوائل، وهذا يدلك على دقته وصحة بصره بالنقد. وأما الثاني فقد غلا فألحق ابن الرومي بامرئ القيس (٢).

وأحسب أن ابن رشيق وابن حزم كليهما لم يخلوا في الذي ذهبا إليه من نظر إليه طريقة القالي حيث اختار من ابن الرومي في أماليه؛ كما لم يخلوا من تأثر بمذهب المولدين، ولا سيما مولدي الأندلس، في إيثار الإطناب والتفصيل وتطويل النفس فيها على مذهب بديعي، خلافًا لما كان عليه الأوائل من إيثار الجزالة والإيجاز.

ولابن حزم خاصة ولع أيما ولع بالتفصيل البديعي لمعاني الحب. من ذلك قوله في طوق الحمامة، واستشهد به صاحب النثر الفني رحمه الله (٢ - ١٦٨):

محبة صدق لم تكن بنت ساعة ... ولا وريت حين ارتياد زنادها

ولكن على مهل سرت وتولدت ... لطول امتزاج فاستقر عمادها

فلم يدن منها عزمها وانتقاضها ... ولم ينأ عنها مُكثها وازديادها


(١) العمدة ٢ - ٢٤٤.
(٢) راجع تاريخ الأدب الأندلسي للدكتور إحسان رشيد عباس (ند عني الموضع).

<<  <  ج: ص:  >  >>