للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادة طنانة رنانة. لا غثة ولا باردة. وأعني بقولي غثة وباردة أن صاحبها يصرف نظره إلى مفردات الألفاظ المسجوعة وما يشترط لها من الحسن. لا إلى تركيبها وما يشترط له من الحسن، وهو في الذي يأتي به من الألفاظ المسجوعة كمن ينقش أثوابًا من الكرسف أو ينظم عقدًا من الخرز الملون» (١).

فهذا كما ترى نص فيما نذهب إليه من أن كتاب القرن الرابع إنما أرادوا طريقًا جديدًا من الشاعرية في الذي اعتمدوه من السجع والتقسيم وأحسب أنه دفعهم إلى هذا الصنيع ما كانوا يجدونه من عسر في مسلك القصيد، إذ هو ضيق المجال على غير الفحل الموهوب. وفي كتاب «من حديث الشعر والنثر» للدكتور طه حسين إشارة إلى شيء من هذا المعنى، وذلك حيث يقول في أول حديثه عن نثر الجاحظ (٢): «فالجاحظ قد تناول في كتبه أغلب الفنون التي تناولها الشعراء»، ثم يقول في آخره: «فنحن عندما نقرأ نثرًا كنثر الجاحظ لا نحس عسرًا في فهمه، بل نجد يسرًا ومرونة. وفوق هذه المرونة واليُسر كسب النثر خصلة أخرى هي الموسيقا، فالنثر أيام الجاحظ لا يلذ العقل وحده ولا الشعور وحده ولكنه يلذ العقل والشعور والأذن أيضًا، لأنه قد نظم تنظيمًا موسيقيًا، وألف تأليفًا خاصًا له نسب خاصة. فهذه الجملة لها هذا المقدار من الطول، وهذه الجملة تناسب هذا الموضوع. وإذا قصرت هذه الجملة لاءمتها تلك الجملة. وإذا ضخمت ألفاظ هذه الجملة كانت الجملة التي تليها على حظ من السهولة وهكذا».

وربما حسن بنا هنا أن نستطرد إلى حديث الدكتور طه حسين عن ابن الرومي


(١) استشهد الدكتور زكي مبارك بهذه القطعة في النثر الفني دار الكتب ١٩٣٤ - ٩٥ وهي في المثل السائر، ص ١١٦ من طبعة بولاق ١٢٨٢ هـ وعنه وعنها أخذنا.
(٢) من حديث الشعر والنثر- دار المعارف ١٩٥٣ - ص ٥٧ - ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>