للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلمات وبضروب أخرى من التصنيع، منها مثلاً نقل أغراض الشعر المعروفة له إلى رسائل النثر ومقالاته. ولا أكاد أشك أن أبا العلاء المعري قد قصد إلى شيء من السخرية بهذا المذهب في فصوله وغاياته، حيث عمد إلى أوصاف الحُمر الوحشية ورحلات الثيران والصيران فأحال كل ذلك إلى نثر مسجوع. على أن المعري ربما التذما هو بسبيله من أغراض الشعر أحيانًا فخرج به ذلك عن مراده من السخرية أو كاد.

هذا والصاحب أوضح كتاب القرن الرابع طريقة في اقتراء أغراض الشعر وانتحالها، على سطحية كانت فيه، وكلف بإظهار المقدرة على التصرف في الظرف والفكاهة يوشك أن يقارب التفيهق المنهي عنه في الحديث. خذ مثلاً قوله، من رسالة كتب بها إلى القاضي الجرجاني (وهو غير صاحب الوساطة):

«تحدثت الركاب بسير أروي ... إلى بلد حططت به خيامي

فكدت أطير من شوقي إليها ... بقادمة كقادمة الحمام

أفحق ما قيل من أمر القادم؟ أم ظن كأماني الحالم؟ لا والله بل هو درك العيان. وإنه ونيل المنى سيان. فمرحبًا أيها القاضي براحلتك ورحلك. بل أهلاً بك وبكافة أهلك. ويا سرعة ما فاح نسيم مسراك. ووجدنا ريح يوسف من رياك. فحث المطى تزل غُلتي بسقياك. وتُزح علتي بلقياك. ونص على يوم الوصول لنجعله مُشرفًا. ونتخذه موسمًا ومُعرفًا. ورد الغلام أسرع من رجع الكلام. فقد أمرته أن يطير على جناح نسر. وأن يترك الصبا في عقال وأسر» (١).

وله من أخرى يهنئ بمولد طفلة:

«أهلاً وسهلاً بعقلية النساء. وأم الأبناء. وجالبة الأصهار. والأولاد


(١) يتيمة الدهر للثعالبي، تحقيق محمد محيي الدين- مصر ٢ - ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>