فإن اتحاد الوزن والقافية في هذه الأوركسترا أشبه شيء بالقرع المملوء حبًا، يُهز به على وتيرة واحدة من لدن شروعها في العزف إلى نهايته، أو بالنحاس الذي ينقر به كذلك، أو بالدفوف التي تقرع على هذا النمط وهلم جرا- ولن تخلو أنغام الأوركسترا في هذه الحال من أن تصطبغ بصوت القرع الأجش أو النحاس الطنان أو الدفوف المُتهزمة، وعسى ذلك وحده أن يفي بعنصر الربط والوحدة في تأليفها كله. وهذا بعد مجرد تمثيل وتقريب.
ولعمري إن من القوافي لما يكون له صوت أجش كالقرع أو طنان كالنحاس، أو حنان كالدفوف.
قرض الشعر:
عسى هذا الذي قدمناه أن يكون قد أوقع في نفسك أيها القارئ الكريم شيئًا مما نراه، من أن القافية والوزن معًا هما مفتاح القصيدة، بما يشيعان في موسيقاها من وحدة ارتباط.
وإذ هما كذلك فإنهما وثيقا الصلة بالمعاني التي تدور في قلب الشاعر وتنبعث من أعماق تجربته إلى محض البيان. ولقد تذكر أنا أفردنا في كتابنا المرشد الأول بحثًا مستفيضًا عن طبائع الأوزان طوالها وقصارها وما يرتبط بهن من ألوان المعاني. فالذي زعمناه هناك نريد أن نجعله ههنا أساسًا لزعم آخر قد كنا ألمعنا لك بطرف منه، وهو أن اتحاد القافية مع الوزن يحصر دائرة المعاني التي يهم بها الشاعر في نطاق أقل حيزًا من نطاق الوزن المجرد قبل أن تصحبه القافية. ثم ضروب التنويع الموسيقي من زحاف إلى سكنات وحركات وهلم جرا، يزدن في هذا الحصر حتى لا تبقى أمام الشاعر إلا وثبة البيان التي تحيل مدلول موسيقا الوزن والقافية والزحاف والحركات والسكنات والاختلاسات، كل ذلك إلى تعبير ناطق.
وأقول وثبة البيان، لأن الوزن والقافية وما يتبعهن كل ذلك في الإمكان