للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى الطَّعَامِ. وَكَانَ قَدْ عَرَفَ الطَّباخُ مَا يَأكلُ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ يُسَوِّي له قَلِيَّةً يَابِسَةً، قَالَ: فأكَلْنَا نَحْنُ مِنْ أَلْوَانِ الطَّعَامِ وأَطَايِبِهِ، وهو يُعَالِجُ تِلْكَ القَلِيَّةِ، ثُمَّ فَرَغْنَا وأَتَيْنَا بِحَلْوَاءَ فَلَمْ يَأكلُ مِنْهَا شَيْئًا، وقَامَ وقُمْنَا إِلَى الخَيْشِ، فنام بين الخيشين، ونمْنَا نَحْنُ في خَيْش يُنَافَسُ فيه (١)، ولَمْ يَشْرَبْ مَاءً إلى العَصْرِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ العَصْرِ قَالَ للغُلَامِ: الوَظِيْفَةَ، فَجَاءَهُ بِمَاءٍ مِنَ الحُبِّ (٢)، وتَرَكَ المَاءَ المُزَمَّلَ بالثَّلْجِ، فَغَاظَنِي أَمرُهُ، فَصِحْتُ صَيْحَةً، فَأَمَرَ أَمْيِرُ المُؤْمِنِيْنَ بإِحْضَارِي. وَقَالَ: مَا قَصَّتكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. وقُلْتُ: هَذَا يَا أَمِيْرَ المؤْمِنِيْنَ يَحْتَاجَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وبَيْنَ تَدْبِيْرِ نَفْسِهِ؛ لأنَّه يَقْتُلُهَا، لا يُحْسِنُ عِشْرَتَهَا، قَالَ: فَضَحَكَ، وقَالَ لَهُ: في هَذَا لَذَّةٌ، وقَدْ جَرَتْ بِهِ العَادَةُ فَصَارَ إِلْفًا، فَلَنْ يَضُرَّهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يا أَبَا بَكْرٍ، لِمَ تَفْعَلُ هَذَا بِنَفْسِكِ؟ فَقُلْتُ: أُبْقَي عَلَى حِفْظِيْ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ في حِفْظِكَ، فَكَمْ تَحْفَظُ؟ قَالَ: أَحْفَظُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ صُنْدُوْقًا


(١) في (ط): "فقام وقمنا إلى الحيس، وقمنا نحن إلى حيس ماء فشربه" والخيش: ثياب رقاق النسج، غلاظ الخيوط تتخذ من مشاقة الكتان ومن أردئه، وربما اتخذت من العصب، والجمع: أخياش؛ قال:
وَأَبْصَرْتُ لَيْلَى بين بُرْدَي مَرَاجِلٍ … وَأَخْيَاشُ عَصْبٍ من مُهَلْهَلَةِ اليَمَنْ
اللسان: (خَيَشَ).
(٢) الحُبُّ: وِعَاءٌ من فُخَّارٍ يبرَّدُ به المَاءُ، لا يَزَالُ على تسميته في عاميَّة أهل الخَلِيجِ العَرَبيِّ، ولكنَّهم يكسرون الحاء، والأصل ضمُّهَا، جاء في لسان العرب (حبب): "الحُبُّ: الجَرَّةُ الضَّخْمَةُ" وهو المعروفُ في عاميَّة أهْلِ نَجْدِ بالزِّيرِ، وهي تسميةٌ صَحِيْحَةٌ أيضًا، جاء في لِسَان العرب (زير): "الزِّيرُ: الدَّنُ، والجمع: أَزْيَارٌ، وفي حديث الشَّافعيِّ: كنتُ أكتُبُ العِلْمَ وأُلْقِيْهِ في زِيْرٍ لَنَا، والزِّيرُ: الحُبُّ الذي يُعْمَلُ فيه الماءُ".