للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الأمِيْر، قَدْ قَبِلْتَهَا مِنْكَ، ولكن قَد أَغْنَيْتَنِي بِمَعْرُوفَك وبَرك، وكفَايَتِكَ عَنْهَا، وقَدْ رَأَيتُ أَنْ أَشْتَرِيَ بِهَا سِلَاحًا وخَيْلًا، وأُوَجّه بِهَا إِلَى الثَّغْرِ، ليَكُونَ الثَّواب مُتَوافِرًا على الأمِيْرِ، ففعلَ.

وَلَمَّا عَمِلَ أَبُو عُبَيْد كِتَاب "غَرِيْب الحَدِيْث" (١) عَرَضَهُ على عبدِ الله


(١) كتابُ غريب أبي عُبَيْدٍ من أَجْوَدِ ما صُنِّفَ في "غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" مع كثرتها؛ إذ تَزِيْدُ على المائة، وهو في مقدِّمتها، وهو سَابِقُها ومُصَلِّيْهَا، لم يَصِلْ أحدٌ من العُلَمَاءِ ممَّن صنَّفَ في هَذا الفَنِّ إلى جَودة تَصنيفه، وحسن تأليفه، وهو مطبوعٌ عدة طبعات لكنَّها لم تصل إلى الحدّ الذي يُطمأن إليه، مَعَ وُجُودِ نُسَخٍ مُتَقَدِّمَةٍ منه في غايةِ الجَوْدَةِ والإتقانِ والثِّقةِ. ودارت حَوْلَ الكِتَابِ مُصَنَّفَاتٌ كَثيْرَةٌ ما بين تَهْذِيْبٍ واختِصَارٍ، وَتَرْتِيْبٍ على حُرُوْفِ المُعْجَمِ، وَشُرُوْحٍ لَهُ، وَلِشَوَاهِدِهِ، وَردٍّ عَلَيْهِ، وإصْلَاحٍ للغَلَطِ فيه، ومُضَاهَاتِهِ، والزِّيادةِ عليه، وذكرِ مَا أَغْفَلَهُ، وَتَقْرِيْبٍ لَهُ، وَدِفَاعٍ عَنْهُ، في كُلِّ هَذه المعاني كُتُبٌ كثيرةٌ وقفتُ -ولله المنِّة- على أَغْلَبَهَا وَجَمَعْتُهَا وَصَنَّفتُها وعرَّفتُ بِهَا لَكنَّ الهِمَّةَ قَصُرَتْ عن إِخْرَاجِ هَذا البَحْثِ؛ لانشغالي بجَمْعِ تَرَاجِمِ سَادَاتِنَا من الحَنَابِلَةِ فَمَن أراد أن يَتَصَدَّى لمثلِ هَذا العَمَلِ فإنَّه جَلِيْلٌ كَثِيْرُ النَّفعِ واللهُ المُسْتَعَانُ.
واهتمامُ العُلماء بكتاب "غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" لأبي عُبَيْدٍ وتقديرُهُم له، بابٌ واسعٌ لا أستَطيع إجمالَهُ في مثلِ هَذا المَقَامِ، فقد كان العُلَمَاءُ يَتَفَاخَرُوْنَ في روايته، وَيُغَالُون في طلب عُلُوِّ الإسنادِ إليه، وَسَمَاعِهِ كَامِلًا من أفاضلِ المُحَدِّثين والفُقَهَاءِ واللُّغَوِيِّين؛ لأنَّه يَخْدِمُهُم جَمِيْعًا منذُ زَمَنِ تأليفه إلى عُصُوْرٍ مُتَأخِّرَةٍ. وكان لأهلِ الأندلس به اهتمامٌ ظاهرٌ، وعنايةٌ لا تُوصف، يُغَالُون في ذلك، ولهم عليه أسانيدٌ وطرقٌ عِدِيْدَةٌ، وله عندهم نسخٌ مُعْتبَرَةٌ مُصحَّحةٌ، وكان الرَّحالةُ من عُلَمَاءِ الأنْدَلُسِ يَحْرِصُون على أن يكون من أوائل مَسْمُوعاتِهِم، ومن أهمِّ الكُتُبِ التي يَجْلِبُونَهَا إلى بِلَادِهِمْ، برِوَايةٍ، وَإِسْنَادٍ، وَتَصْحِيحٍ، لِذلِكَ فَإنَّ الاهْتِمَامَ به لم يكن مَقْصُورًا على المَشَارِقَةِ دُونَ سواهم.
وكان لأبي عُبَيْدٍ ورَّاقُون مَعرُوفُون مُلازِمُون له، أعرفُ منهم ثلاثة؛ أشهرهم: "على =