الحمد لله خالق الكون بما فيه، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا درس في تفسير كتاب الله جل وعلا، وما زلنا في سورة آل عمران، وتفسير هذا الدرس سيكون حول قول الله عز وجل:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:٩٢] إلى قوله جل وعلا: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران:٩٧].
المعنى الإجمالي للآية: أن الله جل وعلا يخبر أن معالي الأمور، والجوامع لكل خير التي هي رأس كل غاية، وأمل كل مؤمن، لا تنال إلا بإنفاق الإنسان لأشياء يحبها، والله جل وعلا جبل القلوب على حب المال، كما قال سبحانه:{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[الفجر:٢٠]، وقال جل ذكره:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات:٨].
والمال هنا ليس حصراً على النقدين الذهب والفضة، وإنما المال كل ما يتموله الإنسان ويملكه من نقدين، أو أراض، أو عقار، أو غير ذلك، كعروض التجارة، فهذا كله يدخل تحت مسمى المال.
فالله جل وعلا يقول: إن النفوس جبلت على حب المال، فإذا بلغ الإنسان مرتبة يتخلى فيها عما يحب لشيء أعظم -وهو حبه لله جل وعلا- كان ذلك موصلاً لطريق الخير والبر.
يقول تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ}[آل عمران:٩٢] أي: لن تحصلوا عليه, ولن تدركوه {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:٩٢] أي: لكي يتخلى الإنسان عن محبة الدنيا والتعلق بها ولكي يصل بنفسه إلى مرحلة عليا عليه أن يتخلى عما يحب من أجل ما عند الله جل وعلا من ثواب وعطاء وجزاء.
ثم قال سبحانه:{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[آل عمران:٩٢]، فكل ما ينفقه الإنسان مما عظم أو حقر يعلمه الله جل وعلا ويكتبه له، إن خيراً فخير، وإن كان غير ذلك فغير ذلك.