للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأملات في قول الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر)]

قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:٧٠].

الأصل أن يقال: إن الله جل وعلا كرم بني آدم بأمور شتى ذكر منها العلماء أشهرها وهي نعمة العقل الذي يميز به المرء النافع من الضار، ومن أوتي نعمة العقل فقد أوتي خيراً عظيماً وفضلاً كبيراً، ولذلك جعل الله جل وعلا العقل مناط التكليف، يقول صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يكبر)؛ لأن عقله لم يتم، (وعن المجنون حتى يعقل)؛ لأن جنونه يمنعه من استخدام عقله، (وعن النائم حتى يستيقظ)؛ لأن النوم سلطان على العقل، والمؤمن مثلاً: قد يكون شديد المرض، لكن ما دام يعي ويعقل يكلف بالصلاة، وقد يكون مرضه في عقله فلو كان صحيح البدن لا يكلف بالصلاة؛ لأن العقل مناط التكليف.

إن الأصل أن الإنسان يميز بعقله كل شيء، وهو من أعظم ما كرم الله به بني آدم.

ومما كرم الله به بني آدم أن جعلهم هامة قائمة ولم يجعلهم كالدواب منتكسين.

ومما كرم الله به بني آدم أنهم يأكلون بأيديهم ولا يتناولون طعامهم بأفواههم كسائر الدواب.

والله جل وعلا يفاضل حتى بين الدواب، فالعلماء يقولون: إن من أعظم الدواب ممن أكرمه الله الكبش والنعجة فإن الله جل وعلا ستر عورتهما عن الخلق أجمعين، مع أن سائر الدواب ظاهرة العورة للعيان.

ومن تكريم الله لبني آدم: أن الله حملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير ممن خلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>