والمقصود أن هذا كله قسم من الرب تبارك وتعالى ببعض مخلوقاته لبيان أن البعث والجزاء حق، ولبيان أن ما وعد به الكفار من العذاب كائن لا محالة، ولهذا كان كثير من العصاة يخوّف المرء منهم ويرقق قلبه ويدعى إلى الله بقراءة سورة الطور عليه؛ لأن الله يقول:{وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ}[الطور:١ - ٨]، فأي أحد يعصي الله لن يحول بينه وبين عذاب الله شيء إلا أن تتداركه رحمة الرب تبارك وتعالى، ولذلك فإن جبير بن مطعم لم يكن مسلماً، بل كان كافراً في أول الأمر، فلما قدم إلى المدينة للنظر في أسرى بدر والتفاوض دخل المدينة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور، وكان النبي عليه الصلاة والسلام أندى الناس صوتاً بقراءة القرآن، فاجتمع صوت النبي مع ما يتلوه، فلما قرأ:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ}[الطور:٧] قال: خفت أن ينصدع قلبي وآمنت خوفاً من أن يقع عليَّ العذاب.
والمؤمن يعلم أن وعد الله حق، فمن عصى الله يبقى في خوف، فإذا كان الله قد نعت المؤمنين بأنهم خائفون من ربهم، فما بالك بالعصاة؟! أعاذنا الله وإياكم من ذلك كله.
قال تعالى:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ}[الطور:٧ - ٨] والعصاة يوم القيامة لا يمكن أن يدفع عنهم عذاب الله جل وعلا أحد كائناً من كان، لا شفيع ولا قريب ولا ذو مال ولا ذو سلطان.