للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر حادثة نزول الآيات الأول من سورة الجن]

الحمد لله الذي خلق خلقه أطواراً، وصرفهم كيف ما شاء عزة واقتداراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هداه.

أما بعد: فإن الكاتب في مثل هذه الدروس العلمية يتنازعه في الغالب أمران: الأمر الأول: الجنوح إلى الوعظ.

الأمر الثاني: الإبقاء على نفعية الدرس العلمي.

وتفصيلاً للقول يقال: إنه لا يمكن التفريق التام والانفكاك بين الوعظ والعلم؛ لأنه لا يحسن أن يعظ الناس من ليس بعالم، وإذا كان الدرس العلمي يغلب عليه الوعظ الذي يخاطب به معشر العصاة غالباً فهذا يحرم طالب العلم من النتف العلمية، والفوائد التي جاء من أجلها في المقام الأول.

وسنشرع بإذن الله تعالى في تفسير سورة الجن، فنقول مستعينين بالله تعالى: قال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} [الجن:١ - ٣].

جمهور المفسرين على أن سورة الجن سورة مكية، نزلت بعد سورة الأعراف.

ومما يذكر في نزولها أن نبينا صلى الله عليه وسلم خرج إلى الطائف، فنزلت في منقلبه عليه الصلاة والسلام من الطائف، وهذا هو الأظهر.

وقيل إنه صلى الله عليه وسلم خارج عامداً مع نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ، فصلى صلى الله عليه وسلم الفجر أو قام الليل، وأياً كان الأمر فإنه كان يقرأ القرآن، وكانت الجن من قبل لها مقاعد في السماء، من خلال هذه المقاعد تسترق السمع، فتسمع الكلمة من الحق فتزيدها من الباطل أضعافاً مضاعفة، ثم تلقيها إلى الكهنة من الأنس، فهذا نوع من التعامل بين الجن وكهنة الأنس.

فتعود الجن على هذا، وكانوا يرجمون رجماً يسيراً، كما قال الله جل وعلا في سورة تبارك عن النجوم: {رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:٥]، فكانوا يسترقون السمع فينالون حظاً فيعطونه الكهنة، فبينما هم في أيام بعثته الأولى صلى الله عليه وسلم يسترقون السمع وجدوا أنه قد حيل بينهم وبين خبر السماء، فعلموا فطنةً أن هناك شيئاً وقع أو سيقع، فأخذوا يتساءلون، ثم انقسموا إلى فرق، فذهبت كل فرقة تبحث عن السبب الذي من أجله حيل بينهم وبين خبر السماء.

فذهبت فرقة منهم إلى وادي نخلة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، فاستمعوا إليه صلى الله عليه وسلم، فلما استمعوا إليه كتب الله لهم الإيمان باستماعهم لقراءة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، حيث وقع القرآن في قلوبهم موقعاً عظيماً، وهذا يدل على عظمة القرآن؛ إذ الجن الذين خلقوا من نار السموم تفطرت قلوبهم لما سمعوا كلام رب العزة جل جلاله.

وأجمل شيء أنهم سمعوه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعت حلاوة التلاوة مع عظمة التنزيل، فلما قدموا إليه اجتمعوا ينادي بعضاهم بعضاً -في أظهر الأقوال- ليستمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>