وطلبوا أمراً ثانياً:((أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)) وهذه قطعها الله جل وعلا عنهم، فلن يخرجهم الله من النار أبداً، قال:((أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)).
فلما ذكر الله تبارك وتعالى حال الفريقين وذكر الحالة الثالثة وهي حال أهل الأعراف عرف الله جل وعلا بذاته العلية، والقرآن -أيها المؤمن- كله فاضل، لكن آياته فيها فاضل وفيها مفضول، أما كونه فاضلاً فلأن القرآن كله من عند الله، وأما كونه فاضلاً ومفضولاً فلأن من آيات الله ما تتكلم عن الله فجمعت الفضل من وجهتين: الوجهة الأولى: أنها كلام الله.
والوجهة الثانية: أنها تتحدث عن الله، وليس هناك أحد أعلم بالله من الله، ولذلك من أراد أن يرقق قلبه وتدمع عينه، فليقرأ ما تكلم الله جل وعلا به عن ذاته العلية كخواتم سورة الحشر، وأوائل سورة الحديد، وهذه الآيات التي في الأعراف، وفي الفرقان، أو آية الكرسي، فكل آية تحدث الله فيها عن ذاته العلية فإن الله جل وعلا لا أحد أعلم به منه قال الله جل وعلا:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:١١٠].
وقال:{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}[البقرة:١٤٠]، فالآيات التي يتحدث فيها الرب جل وعلا عن ذاته العلية هي أعظم آيات القرآن قدراً؛ لأنها جمعت المجد من طرفيه: كونها من الله، وكونها تتحدث عنه جل جلاله.