ثم قال تعالى لنبيه:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات:٥٤]، فقول الله جل وعلا لنبيه:{فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات:٥٤] يشعر بأن الله أعذر نبيه في عدوة أولئك الناس.
فهو لفظ يشعر بأن الأمور انتهت، فقد فعلت ما عليك، ودعوت وأنذرت وبلغت، (فتولّ عنهم) أي: اتركهم، فالمؤمنون الذين كانوا آنذاك أحياء، ونزلت هذه الآية وهم موجودون أخذوا ينتظرون العذاب على الكفار وانقطع الوحي؛ لأن الله أعذر نبيه وأمره أن يتولى فقال:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات:٥٤]، فلما أصابهم هذا الخوف أخبر الله أن الوحي ما زال مستمراً، فقال بعدها:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥] يعني: لا تترك البلاغ، واستمر في تذكيرك، فهذا يدل على أن الوحي آنذاك غير منقطع، فأصبحت هذه الآية -كما قال علي رضي الله عنه وغيره- نوعاً من البشارة للمؤمنين.
هذا ما تهيأ إيراده، وتيسر قوله حول هذه السورة، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم.