للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم)]

ثم قال الله جل وعلا: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة:٥].

هذه الآية تسمى آية السيف، وقد عرفنا أن هناك سوراً من القرآن لها أسماء، ولكن ينبغي أن تعلم أن هناك آيات من القرآن لها أسماء، فأشهر آية في القرآن مسماة بآية الكرسي، وهي قول الله جل وعلا: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥].

ثم بعدها آية الدين، أو آية المداينة، وهي الآية الثانية والثمانون بعد المائتين من سورة البقرة، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة:٢٨٢]، والآية الثالثة منها آية المباهلة في سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:٦١].

الآية الرابعة منها هي آية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة براءة، وسميت آية السيف لأن الله أمر فيها بالقتال، وقال بعض العلماء: إن هذه الآية ناسخة لكل ما في القرآن من أمور الكف والإعراض، فالله تعالى يقول: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ} [الزخرف:٨٩]، ويقول: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} [النجم:٢٩]، وأمر نبيه بالصبر، فقالوا: هذه الآية ناسخة لكل ذلك.

وقال بعضهم: إن آية سورة محمد: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:٤] ناسخة لآية السيف، وقال آخرون: إن آية السيف ناسخة لآية سورة محمد، والحق أنه لا تنسخ إحداهما الأخرى، وإنما العمل بها جميعاً، وكل منهما توضع في موضعها الذي سيظهر من سياق الكلام.

قال الله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة:٥]، يعني: مرت وانتهت، والأشهر الحرم تحتمل معنيين: الأول: الأشهر الحرم التي في الذهن، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، فثلاثة سرد هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد فرد، وهو رجب، وسميت بالأشهر الحرم لأن الله حرم فيها على المسلمين قتال المشركين، فمن هذا المعنى أخذت كلمة الحرم.

يقول تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:٥]، ومن هنا أخذ العلماء أن هذه الآية اسمها آية السيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>