بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا -بحمد الله- هو الدرس الرابع، وسنقف خلاله مع سورة مكية، وهي سورة القمر، وعدد آيها خمس وخمسون آية، وهي سورة مكية تعنى بما تعنى به السورة المكية عادة من الكلام في أصول العقيدة الثلاثة: إثبات الإلهية للرب جل وعلا، وإثبات الرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وذكر البعث والنشور.
فالقضايا التي تتناولها السور المكية التي نحن بصدد الوقوف معها في تفسير الجزء السابع والعشرين من كتاب الله الكريم تتشابه تشابهاً كثيراً؛ لأنها تعنى بقضايا واحدة، وعلى ذلك سبقت دروس مشابهة لها، وقد جرت العادة في الدرس بترك ذكر ما اشتهرت معرفته وكثر الحديث عنه؛ لاشتهاره ولعلم الطالب به، وسنحاول أن نذكر ما ليس بظاهر بقدر الإمكان، ونبقى مقصرين كيفما حاولنا، والله المستعان على أن ينفع بهذا القليل وأن يبارك فيه، وأن يكتب لنا ولكم العون والتوفيق والسداد، والإخلاص من قبل ومن بعد.
هذه السورة اسمها سورة القمر، وسميت بهذا الاسم لذكر القمر فيها، قال الله جل وعلا في صدرها:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١]، والقمر آية من آيات الله، ويقال له مع الشمس: القمران للتغليب؛ لأن العرب إذا ثنت اختارت أحد ما ثنتهما ثم تذكرهما باسم يجمعهما، فتقول: القمران للشمس والقمر؛ لأن القمر مذكر والشمس لفظها مؤنث، فلا يقولون: الشمسان، ولكن يقولون: القمران، ويقولون: المكتان لمكة والمدينة؛ لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينة.
ويقولون: العمران في حق الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما؛ لأن (عمر) اسم مفرد تمكن تثنيته و (أبو بكر) مركب تركيباً إضافياً، فلا تمكن تثنيته، فلذلك قالوا: العمران للشيخين الجليلين: أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما.