ثم قال سبحانه:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران:٩٧] قوله: (دخله) عائد على حرم مكة، إما على المسجد أو على مكة عموماً.
واختلف العلماء في معنى قول الله جل وعلا:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران:٩٧]، ومكمن الخلاف في أنه قد يدخل الحرم الإنسان الآن ويؤذى، فقد يأتي مجرم فيخرج خنجراً أو مسدساً ويقتل الناس في الحرم، وهذا مر عبر التاريخ كله.
فالتوفيق بين الآية وبين الواقع مشكل؛ لأن الله قال:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران:٩٧]، ولذلك اختلفت كلمة العلماء في المعنى: فقال فريق من العلماء: إن هذا خبر عن الماضي، بمعنى أن أهل الجاهلية قديماً كانوا يدخلون الحرم فلا يؤذي بعضهم بعضاً لحرمة البيت التي وضعها الله في قلوبهم، وهذا معروف وإن كان ليس بصحيح على إطلاقه؛ لأنه قد وقع في الجاهلية أذى وسط الحرم، والنبي صلى الله عليه وسلم أوذي وسط الحرم.
القول الثاني: قول ابن عباس، واختاره الإمام ابن جرير الطبري إمام المفسرين وغيره، وهو أن الإنسان إذا جنى جناية خارج الحرم ثم استجار بالحرم فإنه لا يقام عليه الحد ولا يقبض عليه، وإنما يضيق عليه في المعاملة، فلا يبتاع منه ولا يباع له ولا يطعم، حتى يضطر إلى الخروج فيقام عليه الحد، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وقال فريق من العلماء:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران:٩٧] أي: آمناً من عذاب النار، لأن الحج والعمرة سبب في النجاة من النار.
وقال فريق من العلماء -وهو اختيار ابن المظفر السمعاني -: إن المعنى أن الله جل وعلا أمن قريش في جاهليتها لأنهم أهل الحرم، قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت:٦٧] فلم يكونوا يؤذون لأنهم أهل حرم الله، وكل من رامهم بأذى قصمه الله، كما حصل لأبرهة وجنده، وهذا -في ظني- أقرب الأقوال إلى الصحة، واختاره الإمام أبو المظفر السمعاني كما قلت في تفسيره، والله تعالى أعلم.