[تفسير قوله تعالى:(أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها)]
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}[البقرة:٢٥٩] القرية: هي بيت المقدس، والذي هدمها وخربها بختنصر، والذي مر عليها اختلف فيه، قيل: إنه عزير، وهو بعيد، وقيل غيره، والشاهد أن رجلاً مر على تلك القرية وقد خربت، فلما رآها قد خربت وسقطت سقوفها {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}[البقرة:٢٥٩]، وقد فهم البعض أن مقصود هذا الرجل أن الله يعيد هذه البلاد مرة أخرى، وهذا بعيد؛ إذ كم ديار -على ما ترى وأنت سفرك- تمر عليها خربة ثم تعود ثانية، وكم من ديار مبنية عظيمة تعود خربة كما هو حاصل في بغداد، فهو لم يقصد بنيان القرية، وإنما قصد أهل القرية كيف يحيون بعد أن يموتوا؟ فقال:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}[البقرة:٢٥٩] فالله جل وعلا رحمة به ورحمة بالناس بعده جعله هو آية {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ}[البقرة:٢٥٩] أي: بعث إليه ملك الموت فقبض روحه، فمكث مائة عام ميتاً، ثم عاد إليه ملك الموت فأحياه، فلما أحياه سأله ملك الموت {كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا}[البقرة:٢٥٩] فلما رأى الشمس لم تغب قال: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}[البقرة:٢٥٩]، فأخبره الملك قائلاً:{بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}[البقرة:٢٥٩] أي: لم يتغير، وقد قلنا: إن الله قد يعطِّل السبب؛ فمرور الأيام سبب في تغيير الطعام بالعقل، ولكن الله أبقاه وعطل الله السبب.
قال تعالى:{وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ}[البقرة:٢٥٩] فقد كان ميتاً فأحياه الله {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً}[البقرة:٢٥٩] وقرئت (ننشرها) ولا خلاف في المعنى؛ لأن النشر هو الإحياء والإنشاز هو الرفع، والمشهور هو القراءة التي بين أيدينا (ننشزها).