ولما ذكر الله جل وعلا هذه البراهين الثلاثة التي تدل على قدرته، وعلى ربوبيته، وعلى أنه لا رب غيره ولا إله سواه قال مطالباً عباده بقوله:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا}[البقرة:٢٢].
والند: هو الشريك والمثيل والنظير، ولا يوجد لله شريك، ولا ند، ولا مثيل، ولا نظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]، ولذلك ما بني الدين إلا على أنه لا يعبد إلا الله، وما أرسلت الرسل وما أنزل الكتب وما أقيمت الموازين ولا نصبت البراهين إلا ليعبد الله وحده دون سواه، فمن أجل هذا خلق الله جل وعلا الخلق كلهم، قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٦ - ٥٨].
يقول تعالى:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٢٢]، ولا تفهم أن جملة (وأنتم تعلمون) متعلقة بقول تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا) لأنك إذا علقتها بها ونسيت أن هناك محذوفاً يصبح مفهوم الآية في ذهنك: لا تجعل لله أنداداً وأنت تعلم.
فكأنك تقول: يجوز أن تجعل لله نداً وأنت لا تعلم.
وليس هذا مقصود القرآن، ولكن المعنى: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس له أنداد.
فهناك مفعول به للفعل (تعملون) حذف لدلالة المعنى عليه، وهذا كثير في القرآن، أي: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس لله جل وعلا ند، ولا شريك، ولا ظهير، ولا نصير ولا أي شيء من ذلك أبداً، بل الله واحد أحد فرد صمد ليس له شريك ولا ند {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:٤].
ويفهم من هذا أن الشرك -والعياذ بالله- أعظم الكبائر، وهو الذنب الذي لا يغفر أبداً.
وقد يعبد المرء هواه، وقد يعبد المرء شيئاً آخر بحيث يتعلق به القلب حتى يصرفه عن طاعة الله جل وعلا، فهذا قد جعل لله ندا، سواء علم أو لم يعلم، لكن لا يقال بكفره كفرا أكبر؛ لأن مسألة التكفير أمر يحتاج إلى تفصيل وإلى تأن وإلى تبين.