ثم قال الله عوداً على بدء يخاطب كفار قريش:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر:٤٣].
قوله تعالى:(أُوْلَئِكُمْ) يعود على جميع الأمم التي ذكرها الله في السورة.
فالله الآن يقول للقرشيين: إما أن تقولوا: نحن كفار أفضل من أولئك الأقوام، فلذلك لا يعذبنا الله.
وإما أن تقولوا بأن لكم براءة في الزبر، والزبر: جمع زبور، وهو الكتاب، والمراد اللوح المحفوظ.
والمقصود أن عندكم شهادة بأن الله لن يعذبكم، وأنه لكم براءة من الله.
والحالة الثانية:{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ}[القمر:٤٤]، وهذه هي التي اتكئوا عليها، حيث كانوا يعتزون بقوتهم.
فالاثنتين الأوليين باطلتان، ولم يقلهما القرشيون، فلم يقولوا: نحن أفضل، ولم يقولوا: عندنا براءة، ولكن كانوا يعتزون بجمعهم، فقال الله:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:٤٥].
ولما أنزلت هذه الآية جعل الصحابة يقول بعضهم لبعض: أي جمع وأي دبر؟! حتى جاء يوم بدر، وهذا خطاب لكل من يتعجل من الشباب، فالدين يحتاج إلى صبر، والله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه، ولا يوجد بناء يقوم في يوم وليلة، فالصحابة عندما أنزل الله {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:٤٥]، جعلوا وهم في مكة يقولون: أي جمع وأي حرب؟! لا يوجد دلالة على أي شيء.
ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت بدر، فخرج عليه الصلاة والسلام في درع يثب فيها ويقول:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:٤٥]، فقال سعد بن أبي وقاص وعمر وغيرهما من الصحابة: فعرفنا تأويلها يومئذ.
فهزم الجمع وولوا الدبر كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم.