[تفسير قوله تعالى:(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم)]
قال تعالى:{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[آل عمران:٦٩] الطائفة تطلق على الجماعة من الناس، والود هنا بمعنى: الرغبة.
فقوله تعالى:{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ}[آل عمران:٦٩] يعني: كان مراد بعض اليهود وبعض النصارى أن يردوكم عن إسلامكم؛ لأنهم يعلمون أن الإسلام حق، ولكن الإنسان إذا حسد غيره لا يتمنى له الخير، فقد جرت سنة الله في خلقه أن الهالك يتمنى أن يهلك الناس معه، فالواقع في سلك المخدرات، والواقع في سلك النساء، والواقع في سلك كذا وكذا من المعاصي والجرائم لا يريدك أن تكون معه حبا فيك، ولكن يدفعه إلى ذلك أن كثرة الناس في الشر تهون الشر على نفسه، ومثال ذلك أنه لو أخبرك ابنك بأن نتيجته في الامتحان غير موفقة للمته كثيرا، ولكن لو أن هذا الابن أخبرك بأن الفصل كله على هذا النحو لخف لومك على ابنك، وهذه من سنة الله في خلقه، ولذلك لما ضل إبليس وتمت عليه اللعنة هم بأن يعصي بني آدم كلهم، حتى لا يقع في الهلاك لوحده، وأهل الإشراك أهل الكفر من أهل الكتاب لما وقعوا فيما وقعوا فيه ومنعهم الحسد أن يتبعوا نبينا صلى الله عليه وسلم رغبوا في أن يضلوا المؤمنين، والله جل وعلا يقول {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[آل عمران:٦٩]؛ لأن الله تبارك وتعالى يحمي أولياءه، وينصرهم ويمنع عنهم كيد الأعداء.
ثم قال الله جل وعلا:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}[آل عمران:٧٠] و (تشهدون) مفعولها هنا محذوف، والمعنى أنكم تشهدون البراهين العقلية والنقلية التي تدل على أن الله جل وعلا حق، وكفركم مع كونكم تشهدون الآيات من أعظم الدلالات على العناد والمرض المستقر في قلوبكم، لأن كون الإنسان يكفر ولما تظهر له الأدلة بعد أمر هين، ولكن إذا ظهرت له الأدلة وتتابعت وتظاهرت ومع ذلك أصر على كفره فذلك دلالة على الران الذي في قلبه، وعلى أنه أقرب إلى الحق منه إلى الباطل.
نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.