ومن معنى الآية كذلك أن دين الإسلام دين فطرة لا يحتاج إلى أن يكره الناس عليه، وما يحصل في بغداد أعظم شاهد، فقد كانت بغداد رهينة الحكم البعثي وعقائده الكافرة، ثم جاء الأمريكان -وهم أسوأ حالاً- بعقائدهم الضالة وتجبرهم على المسلمين، فلما لم يستطع أهل بغداد أن يتكلموا أيام حاكمهم الأول، وجاء هؤلاء المغفلون فأعطوهم الحرية خرجوا بعد صلاة الجمعة يطلبون الإسلام، وهذا لا شك فيه، فالفطر لا تريد إلا الإسلام، وكم من بلد عربي مقهور تحت سلطانه يمنع فيه الكثير من الطاعات لو قدر لشعوبه أن تتكلم لطالبت بالإسلام، فالإسلام دين الفطرة، ولذلك كان الأنبياء يقولون لكل متجبر: لا نريدك أن تسلم، ولكن خل بيننا وبين الناس، فنحن إذا دعونا الناس فإننا واثقون بأن الناس سيدخلون في الإسلام، فموسى عليه السلام يقول:{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ}[الدخان:١٨] ولذلك لم يحارب النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل وأمثاله لأنهم كفار، ولكن حاربهم لأنهم كانوا يمنعونه من أن يبلغ رسالة ربه، فهؤلاء الطغاة المعاندون في كل زمان ومكان مهما فعلوا لو تركوا كونهم حائلاً بين الدعاة وبين الناس لآمن الناس، وقبلوا دين الله جل وعلا، ولكن الطغاة والكفرة والظلمة على اختلاف منازلهم في كل عصر يحولون بين العلماء والدعاة وبين عباد الله، فتصبح الدعوة مخنوقة فلا يهتدي الناس؛ لأنهم حائل بينهم وبين الدعوة، وبلادنا أمثل شاهد على النقيض، فحين لا يوجد منع للدعوة يأتي الناس طواعية، فلماذا لا يوجد ذلك في تونس أو في غيرها من الدول العربية؟ والجواب أنه لسنا أحسن منهم، ولكن حيل بينهم وبين دعوة ربهم جل وعلا، وإلا فلو ترك الناس على حالهم لما ابتغوا غير صراط الله، والله يقول:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}[البقرة:٢٥٦] والرشد: هو الإيمان، والغي: هو الكفر والباطل.
وقال بعض العلماء -كما نقل عن الشعبي -: إن تفسير الآية مخصوص بالنصارى واليهود أهل الكتاب، والمعنى أنهم لا يكرهون على الدين إذا دفعوا الجزية، ولكن الأول أظهر وأشمل، والله تعالى أعلم.