وآية المباهلة تدل على أمور عدة: أولها: فضل آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين، وهؤلاء الأربعة مع النبي عليه الصلاة والسلام يسمون أصحاب الكساء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جللهم -أي: غطاهم- ذات مرة بكساء وقال:(اللهم هؤلاء بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فهؤلاء آل بيته صلى الله عليه وسلم، وعلي ابن عمه نسبا، وهو زوج ابنته فاطمة، تزوجها بعد منقلب النبي صلى الله عليه وسلم من معركة بدر، في السنة الثانية من الهجرة، قيل: تزوجها في شوال وقيل: تزوجها في أول ذي القعدة، وتعيين التاريخ هنا تحديدا لا يهم، وأنجب منها الحسن والحسين، وأراد علي أن يسمي ابنه الأول حرباً فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو الحسن، ولما ولد الحسين أرادوا أن يسموه حربا فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الحسين.
فالذي سمى الحسن والحسين رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقد عاش الحسن حتى صار خليفة بعد أبيه، فتنازل عنها لـ معاوية ليحقن دماء المسلمين، ثم سكن المدينة ومات فيها أيام معاوية.
أما الحسين فامتد به العمر حتى مات معاوية رضي الله عنه وولي من بعده ابنه يزيد، فخرج من مكة إلى العراق حتى وصل إلى كربلاء المدينة العراقية المشهورة، فلما وصل إليها سأل عنها فقيل له: كربلاء، فقال: بل كرب وبلاء، فأخذ ذلك من اسمها، فكان ما كان، فقتل رضي الله تعالى عنه في يوم عاشوراء في العاشر من محرم؛ ولذلك يحيي الشيعة هذا اليوم كما هو معلوم.
وإحياؤهم لهذا اليوم: باطل بالنقل وباطل بالعقل، فهو باطل بالنقل لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يشرعه، ولا يقوم دين إلا إذا شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعلم الخلق بشرع الله وباطل بالعقل لأنهم لو كانوا صادقين لكانوا أقاموا مأتما على مقتل علي أبي الحسين، وهم يقولون: إن علياً أول أئمتهم، والحسين الثالث، فلو كانوا صادقين لأقاموا مأتما على قتل علي، فكما قتل الحسين فقد قتل من قبله علي، فهم يمرون على مناسبة علي دون ذكر، مع أنه مات مقتولاً كما قتل ابنه الحسين، ثم يأتون عند مقتل الحسين فيقيمون ما يقيمونه، وهذا من الدلائل العقلية، والأول دليل نقلي على بطلان ما يصنعه الشيعة في يوم عاشوراء.
والذي يعنينا أن الحسين رضي الله تعالى عنه قتل في يوم عاشوراء، قتل ومعه أكثر من ثمانين من آل بيته، ولم ينجُ إلا النساء وابنه علي الملقب بـ زين العابدين، فقتل ابنه علي الأكبر، وقتل ابنه عبد الله معه وإخوانه الأربعة وبعض آل بيته، وبقي ابنه علي، وكان مريضاً فلم يستطع أن يحارب مع أبيه، فأبقى الله جل وعلا ذرية الحسين بنجاة علي هذا الصغير المريض، فكل من ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الحسين فهو من ولد علي زين العابدين، فكل الحسينيين ينتسبون إلى علي الملقب بـ زين العابدين بن الحسين بن علي ابن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -كما قلت- آله صلى الله عليه وسلم، ولهم في الشرع حق عظيم، فلا إفراط فيه ولا تفريط {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:٢٣].
وقال عليه الصلاة والسلام لما شكا إليه العباس أن بعض قريش يجفو بني هاشم:(والله لا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ثم لقرابتي).
ولذلك يروى أن المعتصم الخليفة العباسي -أي: من نسل العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وليس من نسل النبي- يروى عنه أنه سجن العالم السني المشهور الإمام أحمد بن حنبل، ثم أخرج أحمد بعد موت المعتصم، فكان أحمد بعد خروجه يجتهد في الدعاء للمعتصم، ويسأل الله أن يعفو عنه، فلما كلمه الناس قال رضي الله عنه ورحمه: لا أحب أن أقف بين يدي الله وبيني وبين أحد من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خصومة.
وهذا من فقه الدين، وهو أن الإنسان يتجنب أن يكون بينه وبين قرابة النبي صلى الله عليه وسلم خصومة، كما في قصة الإمام أحمد.