وقد دلت الآية كذلك على أن الأصل في العلم أن يكون في الصدر؛ لأن الله قال عن الصحابة وقال عن أهل العلم:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت:٤٩]، ولذلك قال العلماء: إن الفهم والحفظ واستظهار الأدلة كل ذلك مطلوب من العالم، ومن أعظم ما يجعل الإنسان حافظاً هو ترك المعاصي، وقد كان وكيع بن الجراح الإمام المعروف من أشهر الناس في الحفظ، فقد كان يسند ظهره أحياناً إلى سارية المسجد فيملي سبعمائة حديث من حفظه دون أن يقطعها، فمر معه رجل ذات يوم فقال له: يا وكيع! إني أسألك عن مسألة.
قال: سلني.
فقال: ما أعظم أدوية الحفظ؟ فقال: أوتفعل إن أمرت -أو إن أرشدتك-؟ قال: نعم.
قال: ترك المعاصي، ما جربت شيئاً غيره.
ولهذا سأل الشافعي رحمه الله تعالى وكيعاً عن نفس السؤال، فـ وكيع شيخ للشافعي، وشيخ لـ أحمد، ويكثر أحمد في المسند من قوله: حدثني وكيع عن سفيان عن عبد الله بن دينار وذكر السند، فـ وكيع شيخ لهما.
قال الشافعي رحمه الله: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي وليس المقصود بالعلم هنا مجرد حفظه وإدراكه، وإنما المقصود به على وجه التفصيل العلم والعمل به، وهذا معنى قول وكيع: إن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي