ثم قال سبحانه:{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}[المائدة:١١٥].
اختلف العلماء: هل أنزل الله جل وعلا المائدة أو لم ينزلها، وذلك لأن الله قال:{إِنِّي مُنَزِّلُهَا}[المائدة:١١٥] وليس في القرآن أن الله أنزلها.
فجمهور العلماء من المفسرين على أنها أنزلت، وقالوا: إن هذا وعد من الله لنبيه، والله لا يخلف الميعاد، وهو الذي نختاره.
وذهب مجاهد رحمه الله تعالى المفسر المعروف تلميذ ابن عباس إلى أن الله لم ينزلها؛ لأنه مجرد مثل ضربه الله في كتابه، وهذا أبعد الأقوال عن الصواب في ظننا.
والقول الثالث قاله الحسن البصري رحمه الله تعالى وتبعه عليه بعض المفسرين، وهو: أن الله لما قال لهم: (فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) خافوا وطلبوا الإعفاء من نزولها واستغفروا الله ولم تنزل المائدة.
والذين قالوا بهذا الرأي من أدلتهم: أن هذه المائدة لم تذكر في الإنجيل الذي بين أيدينا، والنصارى لا يعرفون قصتها إلا من القرآن.
فرد جمهور العلماء على هذا القول بأن كونها لم تذكر في الإنجيل من الشيء الذي نسوه، كما قال الله جل وعلا عنهم:{فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}[المائدة:١٤]، فهذا من الحظ الذي أنساهم الله جل وعلا إياه.
والذي نختاره -والله أعلم- من هذه الأقوال أن الله جل وعلا أنزلها، وهو مذهب جماهير العلماء.