[ذكر المدة الزمنية بين بناء المسجد الحرام وبيت المقدس]
وهاتان الآيتان فيهما كلام طويل سنحاول بقدر الإمكان أن نجمله، فنقول: إن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض للعبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- لـ أبي ذر لما سأله: يا رسول الله! أي بيت وضع في الأرض أول؟ قال:(المسجد الحرام, قال: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى, أو بيت المقدس, قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة).
والمشهور أن الذي بنى بيت المقدس هو سليمان بن داود، والمشهور أن الذي بنى البيت الحرام هو إبراهيم، فإذا أخذنا بهذا المشهور فهل يتفق الحديث مع الآية؟ والجواب أنه لا يمكن أن يتفق مع ما بينا؛ لأن بين إبراهيم وسليمان ثلاثة قرون تقريباً، والنبي صلى الله عليه وسلم يذكر أن بينهما أربعين سنة.
والصحيح -إن شاء الله- أن أول من وضع البيتين هو آدم عليه السلام، فهو الذي وضع الكعبة، وهو الذي وضع بيت المقدس، ولا يمكن أن ينطبق الحديث إلا على آدم، أو أن الله جل وعلا أمر ملائكة قبله بأن تبني الكعبة، ثم أمره بعد أربعين سنة بأن يبني بيت المقدس، ثم بين الله لإبراهيم مكان الكعبة، ولذلك قال الله:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}[الحج:٢٦] أي: مكان الكعبة، فأعاد بنيانها، وبين لداود وسليمان عليهما السلام مكان بيت المقدس فأعادا بنيانه.
والمسجد الحرام والمسجد والنبوي والمسجد الأقصى هي الثلاثة المساجد التي تشد إليها الرحال.