قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}[النساء:١٦٣] وإسماعيل هو الابن الأكبر لإبراهيم من زوجته هاجر، وهاجر كانت جارية عند سارة، فجارية أمة وسارية حرة، وحين لم تنجب سارة أهدت إبراهيم هاجر، فلما ولدت إسماعيل أصابها ما يصيب النساء من الغيرة، فما طاقت أن تمكث هي وهاجر في مكان واحد، فهاجر إبراهيم بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع، أي: إلى مكة، ووضعهما في مكة بأمر الله كما في القصة المشهورة، وتركها ورجع إلى مصر إلى زوجته سارة، فلما رجع إلى سارة أنجبت له سارة إسحاق، وجاء في الآية:{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[النساء:١٦٣] فصار إسحاق الابن الثاني لإبراهيم.
ولما ترك إبراهيم إسماعيل وأمه في واد غير ذي زرع -وهو مكة اليوم- لم يترك معهما إلا شيئاً يسيراً من زاد وماء، ثم فني الاثنان، فلما فني الاثنان بعثت ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل.
ووجود الماء يجلب القبائل، فجاءت قبيلة جرهم، وهي قبيلة قحطانية من العرب العاربة، فتزوج منهم إسماعيل بعدما شب وبلغ مبلغ الرجال، وبعدما تزوج منهم ماتت أمه قبل أن يأتي أبوه، ثم مكث ما شاء الله فجاء إبراهيم يبحث عن زوجته وابنه، فلما جاء عرف أن الأم توفيت، أي: والدة إسماعيل، فسأل عن ابنه، وكان إسماعيل وقتها في الصيد، فلما دخل على المرأة الجرهمية التي تزوجها إسماعيل في أول الأمر سألها عن إسماعيل فقالت: خرج يصطاد لنا، فسألها عن حالهم فذكرت عسراً ولم تحسن الخطاب وقالت: نحن في ضيق وشدة وكرب، ولم تذكر شيئاً حسناً.
فقال لها: إذا جاء إسماعيل فاقرئيه مني السلام وقولي له: غيّر عتبة بابك.
فجاء إسماعيل من الصيد فكأنه آنس شيئاً فقال لزوجته: هل من خبر؟ فأخبرته القصة، وأخذت تصف إبراهيم وهي لا تدري أنه والد إسماعيل، فقال: أخبرك بشيء؟ فأخبرته بالقصة فقال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أطلقك، فالحقي بأهلك، ثم تزوج امرأة أخرى من جرهم؛ لأنه ما كان هناك قبيلة إلا جرهم، فلما تزوج جاء إبراهيم بعدها بفترة، وكان إسماعيل في الصيد، فقابل الزوجة الجديدة فقال لها: أين إسماعيل؟ قالت: في الصيد، فسألها عن حالهم فأخبرته بأنهم بأحسن حال، فدعا لهم بالبركة وقال: إذا جاء زوجك فأقرئيه مني السلام وقولي له: ثبِّت عتبة بابك، لما جاء إسماعيل سأل زوجته؟ أخبرته الخبر، فقال: ذاك أبي وقد أمرني أن أبقي عليك، ثم جاء في المرة الثالثة وحصل ما حصل من بناء الكعبة.
وقد نعت إسماعيل في القرآن بأنه كان {يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ}[مريم:٥٥] وأنه كان صادق الوعد.
فإسماعيل كان يحث أهله على الصلاة، وهذا أعظم الفوائد في هدي الأنبياء، فحث الأبناء على الصلاة هدي الأنبياء.
فالإنسان وهو يوقظ أهل بيته يتذكر هذه الآية ويتلوها:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ}[مريم:٥٥] ويأمر أهله بالصلاة وينادي عل الملكين أن يكتباها له.