طافت السفينة بالأرض حتى قيل إنها طافت بالكعبة، ثم أمرها الله بأن تستقر، فأوحى الله إلى الجبال أن السفينة ستستقر على أحدكم، فتطاولت الجبال كلها إلا جبل الجودي في أرض الموصل جهة الكوفة في العراق، فهذا الجبل تواضع ولم يرتفع كما قال العلماء، فأمرها الله بأن تستوي على جبل الجودي، لأن من تواضع لله زاده الله عزاً ورفعة، وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه.
قال تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ}[هود:٤٤].
والبلع يكون للشيء الذي لا يتريث الإنسان في مضغه، ويستقر في الجوف، فكأن الله أمر الأرض بأن يعود ماؤها الذي خرج منها إلى جوفها.
{وَغِيضَ الْمَاءُ}[هود:٤٤] أي: ذهب في الأغوار هنا وهناك بحيث لا يراه أحد، وفي البادية يقولون: فلان يغيض ويعيض.
{وَقُضِيَ الأَمْرُ}[هود:٤٤] أي: أمر إهلاك الكافرين {الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ}[هود:٤٤].
{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}[هود:٤٤] أي السفينة.
{وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[هود:٤٤] وهذا البعد زماني ومكاني، فلا يوجد لهم أثر، وهو بعد مستمر زماناً إلى أبد الآباد.
فلما رست السفينة قالوا: إن نوحاً عليه السلام أراد أن يطمئن أن الأرض فيها حياة، فبعث الغراب، فوجد الغراب جيفة من جيف الكفار الذين أهلكهم الطوفان فربض عندها، ولذلك يقولون: إذا كان الغراب دليل قوم دلهم على جيف الكلاب ثم بعث الحمامة، فلما ذهبت الحمامة لطخت قدميها بالطين، حتى تبين له أن الأرض ليس فيها ماء، ثم حملت غصن زيتون في فمها وقدمت به إلى نبي الله نوح، ولذلك فالشعار العالمي اليوم المتفق عليه بين الأمم هو أن الحمامة وغصن الزيتون رمز السلام، وهذا مأخوذ من هذه القصة.