قال تعالى:{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ}[آل عمران:٦٠ - ٦١] الهاء عائدة على عيسى وخلقه {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}[آل عمران:٦١] أي: البيان الذي أظهره الله لك في شأن عيسى ابن مريم {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:٦١].
ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالأمر لم يقبلوا وقالوا: نحن مسلمون من قبل، فقال صلى الله عليه وسلم:(يمنعكم من الإسلام ثلاث: أكلكم الخنزير، وسجودكم للصليب، وزعمكم أن لله ولداً)، فهذه الثلاث منعت ما يزعمونه من أنهم مسلمون، فلما طال الأمر بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم احتكم إلى المباهلة، والمباهلة مأخوذة من الابتهال، وهو الدعاء، وتكون غالباً لإظهار الحجة، وقد تخصص -كما في الآية- لنزول اللعنة.
وأصل المسألة أنه لما طال الجدال، فلا هم اقتنعوا، ولا هم قادرون على أن يقنعوا؛ لأنهم على باطل؛ احتكم صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال قائلا لهم كما أمر الله:{تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ}[آل عمران:٦١] أي ندعو فنقول: اللهم العن الكاذب منا في شأن عيسى ابن مريم، فلما كان من الغد قدم صلى الله عليه وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين وقال لـ علي وفاطمة والحسن والحسين:(إذا أنا دعوت فأمنوا).
وقبل أن يكمل اعترض النصارى وخافوا من المباهلة، وخوفهم من المباهلة دليل على أنهم يعلمون أنه رسول الله حقا؛ لأنهم لو كانوا على يقين لقبلوا المباهلة، وكون النبي عليه الصلاة والسلام يأتي بابنته وعلي والحسن والحسين دليل على ثقته فيما يدعو إليه؛ لأنه كان بالإمكان أن يباهلهم لوحده، ويقول: أنا وأنتم ندعو فأهلك أنا أو تهلكون أنتم، فلما أتى بابنته وأحب بناته إليه، وزوجها علي والحسن والحسين ليدعو على الجميع؛ كان ذلك دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان واثقا من حفظ الله له، وكان على برهان ويقين بأن ما عند الله هو الحق.