[الفرق بين التزكية القلبية وبين التزكية لأعمال الجوارح]
وفرق جم ما بين أن يزكي الإنسان نفسه قلبياً، وبين أن يزكي الإنسان نفسه كموهبة أعطاه الله جل وعلا إياها.
فتزكية القلوب لا تجوز قال الله:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:٣٢]، فلا يجوز لأحد أن يزكي نفسه قلبياً، وأما تزكية الصنعة التي تحسنها فهذا لا ضير فيه، ومنه قول نبي الله يوسف:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥]، فهو هنا يتكلم عن أحوال الجوارح، يتكلم عن قدرته في إدارة شئون الدولة اقتصادياً، ولا يتكلم عن إيمانه وتقواه وقربه من الله، وإنما يتكلم عن أمر دنيوي محض، {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥].
فإذا كنت تريد أن تركب بأصاً تسافر به إلى مكة، وأمامك أربعون فرداً أنت مسئول عنهم، فمن حقك أن تسأل من يريد أن يقود: أيكم يحسن القيادة؟ فلو قام أحد الناس وقال: أنا أحسن، أو يتكلم عن خبرة سابقة، فهذا ليس تزكية للنفس، وإنما هذا إخبار بالعمل فلا يذم صاحبه؛ لأن فيه منجاة للناس، وإلا لو ترك الأمر على غير ذلك لهلك الناس، لكن التزكية المحرمة شرعاً: هي تزكية أعمال القلوب، فهذه اجعلها بينك وبين الله، ولا تكترث بمدح الناس ولا بذمهم، وسيأتي التفصيل أكثر من ذلك.
قال الله:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:٦٢].
قلت: من المهم جداً أن يخشى الإنسان على نفسه الفتنة، والعبد البصير السعيد من يتعظ بغيره، وقد ذكر الله جل وعلا نماذج في القرآن، وجاء في السنة، وفي أحوال الناس المعاصرة وغير المعاصرة نماذج فتن الناس بها، ثم انقلبت على أعقابها عياذاً بالله، والله جل وعلا يقول:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا}[الأعراف:١٧٥] بعد أن منّ الله جل وعلا عليه بالعلم، وأصبح ذا قدرة وذا مكانة، أخلد إلى الأرض واتبع هواه، كما قال الله جل وعلا، فعلى هذا فهناك أمران: أمر في نفسك يتعلق بغيرك، وأمر في نفسك يتعلق بنفسك.
فأما أمرك الذي يتعلق بغيرك: ألا تفتن بأحد، والأمر الذي يتعلق بغيرك: أن تخشى على نفسك الفتنة، فإن الإنسان مطلوب منه أن يعبد الله حتى يلقى الله، قال الله لنبيه:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] أي: حتى يحل بك الموت، وتفارق الروح الجسد، وهناك ينتهي وقت التكليف وزمنه، وبعد ذلك لو مدحت شخصاً قد أفضى إلى ربه في حدود الشرع فلا ضير، وأما والإنسان حي فلا تبالغ في مدح أحد، ولا تفتن في مدح أحد.