وقد ذكر الله جل وعلا فيها قوم نوح كما سيأتي، ثم قال:{فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون:٤١].
ثم ذكر قوم هود فقال جل وعلا:{أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}[هود:٦٠].
ثم ذكر ثمود فقال جل وعلا:{أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ}[هود:٦٨].
ثم ذكر الله جل وعلا قوم لوط فقال:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[هود:٨٣].
ثم قال الله جل وعلا في مدين:{أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}[هود:٩٥].
ثم قال جل وعلا عن فرعون وآله وتكذيبهم لموسى وهارون:{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}[هود:٩٩].
فهذا كله دلائل تظهر الشيب في الإنسان إذا قرأها، وأذكر أنه قبل أعوام قُدِّر أن نقرأ هذه السورة في صلاة التراويح، والقرآن تدبره يحتاج إلى فقه، ولا أقصد بالفقه فقه المتون، وفقه الأحكام، وإنما أقصد فقه العقل، وقدر أن قرأ هذه السورة الشيخ: صلاح البدير وفقه الله، فكان يقرؤها مقطعاً مقطعاً، فقرأ قصة نوح، ثم قرأ قصة عاد، ثم قصة ثمود، وهكذا وهو لا يبكي، بل كان يحاول أن يحبس بكاءه، وهذا من تعليم الناس وربطهم بالواقع، فلما وصل إلى قول الله جل وعلا في آخر السورة:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:١٢٠] بكى الشيخ حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه، وهذا هو الفهم؛ لأن هذه الآية هي اللب من الإيراد كله؛ فإن الله ذكر أنبياءه ورسله على التفصيل، ثم لما ختم قال:{وَكُلًّا}[هود:١٢٠] أي: كلاً ممن مضى، والتنوين هنا عوض عن الحذف {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ}[هود:١٢٠]، ثم ذكر الغاية {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[هود:١٢٠] والخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم ومن يسمع من أمته.
فلما وصل إليها بكى، وهذا من العلم، وتدبر القرآن، وفقه النصوص، ومعرفة موطن مقصود الله تبارك وتعالى، وهو علم رفيع يمن الله جل وعلا به على من يشاء من عباده جعلنا الله تبارك وتعالى وإياكم من العلماء العاملين بعلمهم.
وقد بدأت السورة بالدعوة إلى التوحيد، وانتهت به، حيث قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[هود:١٢٣].