وما يتصل بما سبق ذكره أن الله جل وعلا ذكر الخديعة والمكر والخيانة في كلامه جل وعلا، فنسب الخديعة إلى نفسه، حيث قال جل وعلا:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء:١٤٢]، فالله يخدع من يَخدَع، وذكر الله جل وعلا المكر في كتابه ونسبه جل وعلا إلى نفسه، فقال سبحانه:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال:٣٠].
ولكنه ذكر الخيانة جل وعلا ولم ينسبها إلى نفسه، حيث قال تعالى:{فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ}[الأنفال:٧١]، ولم يقل جل وعلا: فخانهم.
وذلك لأن الخيانة مسألة عظيمة، ومعنى الخيانة: أن الإنسان يستأمنك على شيء -بصرف النظر عن سبب الاستئمان- فتقلب له ظهر المجن، فهذا لا يمكن أن يقبل شرعاً، ولذلك كان عند المالكية رحمهم الله أن الشخص إذا قتل أحداً غيلة على وجه الاستئمان؛ لم يجز لأولياء الدم أن يطالبوا بالدية أو يعفوا، بل لابد من القصاص، حتى إن ولي أمر المسلمين الإمام الأعظم لا يجوز له أن يعفو في قضية كهذه.
ومن أظهر أمثلة ذلك: شخص له صديق، وليس بينهما عداوة، بل هو صديق شخصي حبيب إليه، فجاء يبيت عنده، فغدر به في بيته وهو نائم بعد أن أدخله بيته ورحب به فقتله، ففي هذا يذهب مالك رحمه الله -وهو الحق إن شاء الله- إلى أنه ليس في ذلك عفو؛ لأن هذا لا تقع من إنسان سوي أبداً، ومثله الزوجة التي تقتل زوجها؛ لأن الله قال:{لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:١٨٩]، وجعلها أماناً وسكناً، والإنسان لا يجد الأمن إلا في بيته.
فلو نام رجل في بيته عند زوجته في مخدعه ومضجعه ومكان طمأنينته، ثم انقلبت عليه زوجته وقتلته فإنه لا ينبغي أن يكون هناك عفو في مثل هذه القضية، وإن كان جمهور العلماء على خلافه.
كما أن الآية مشكلة في مسائل الأخلاق، فرأي ابن سيرين رحمه الله وإبراهيم النخعي وغيرهما على إطلاقه أمر نراه صعباً جداً، فلو سافر إنسان، ثم إن جاره وقع على زوجته ظلماً وعدواناً وتبين له هذا بطريقة خاصة أو أخبره به أحد الجيران، فعرف أن هذا الجار بعد سفره قصد زوجته، ثم إن هذا الجار الفاعل سافر، فهل يجوز للرجل أن يغدر بالمرأة باعتبار نفس القضية؟ والجواب أن هذا غير مقبول.
والمقصود أن القرآن لابد من أن يفهم قبل الاستشهاد به.