[تفسير قوله تعالى:(أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون)]
قال تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}[الطور:٣٠]، وكل كلمة:(ريب) وردت في القرآن هي بمعنى الشك، إلا في هذه الآية، فهي بمعنى حوادث الدهر، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي: أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع وقول الأعشى: أأن رأت رجلاً أعشى أضر به ريب المنون ودهر مفند خبل فجملة من القرشيين كانوا يقولون هذا شاعر، والحل فيه أن نصبر عليه ونتربص به حوادث الأيام، فإما أن يموت، وإما أن يهلك، وإما أن يصيبه تلف فيعجز كما عجز من قبله من الشعراء.
ثم أخذ القرآن يحاكم أهل الإشراك بأسلوب منطقي عقلي، قال تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الطور:٣٠ - ٣٢]، فبدأ الله جل وعلا بسوق الاعتراضات ثم فندها واحدة واحدة.
وهناك فرق بين العقل وبين الذهن، فهناك شيء اسمه ذهن وشيء اسمه عقل، فالذهن: الشيء الذي تفهم به، والعقل: هو الشيء الذي تتصرف من خلاله.
فقد يكون هناك إنسان تقول له العامة: ذهين، بمعنى: ذكي فطين، فيستطيع أن يسرق دون أن يكتشفه أحد، فهذا يدل على ذكائه، ولا يدل على عقله؛ لأنه لو كان عاقلاً لم يعص الله ولم يرم نفسه في المهالك.
فيوجد من الكفار من هم أذكياء، ولكن لا يمكن أن يكون هناك كافر يوصف بأنه عاقل؛ لأن من أعظم دلائل عدم عقله أنه كافر بالله، ولو كان له عقل لآمن بالله.