[الشفاعات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم]
قلنا: الشفاعة الباطلة ما زعمه الكفار أن أصنامهم تشفع، وأما الشفاعة الصحيحة قلنا شروطها الإذن والرضى، وهذه الشفاعة تنقسم إلى خمسة أقسام: ثلاثة منها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، واثنتان يشترك فيها النبي وغيره، وهي ما سنبينها على وجه التفصيل.
الشفاعة الأولى: هي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يحكم الله جل وعلا بينهم ويفصل، قال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري وغيره: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، فإن الناس يجتمعون في صعيد واحد فيلجمهم العرق وتدنو منهم الشمس، فيقول بعضهم لبعض: ألا تذهبون إلى آدم حتى يشفع لكم عندك ربكم أن يقضي بينكم؟ فيأتون إلى آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، فيقول آدم: إن ربي غضب غضباً لم يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله، وإنني نهيت عن الشجرة فأكلتها، نفسي نفسي نفسي يقولها ثلاثاً، اذهبوا إلى نوح، فيأتون إلى نوح فيقول في الغضب مثلما يقول، ثم يقول عليه السلام: إنه قد كانت لي دعوة وقد عجلتها، دعوت بها على قومي، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إلى إبراهيم فيثنون عليه: أنت اتخذك الله خليلاً، فيقول كما قال غيره، ثم يقول: إنني كذبت ثلاث كذبات -قالها تواضعاً-، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى، فيأتون إلى موسى فيقولون له: أنت صفي الله وكليمه، واصطفاك الله على الناس برسالته وبكلامه، اشفع لنا إلى ربك، فيقول: إنني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون إلى عيسى فيقولون: أنت كلمة الله إلى مريم وروح منه، فلا يذكر ذنباً عليه السلام، وإنما يقول: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد؛ فإنه نبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقولون له ذلك، فيقول: أنا لها، فيأتي عليه الصلاة والسلام فيسجد تحت العرش، ويفتح الله عليه بمحامد يثني بها على الله لم يفتحها على أحد من قبله، ثم ينادى: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع).
فهذه الشفاعة هي المقام المحمود الذي خص الله به نبينا صلى الله عليه وسلم.
الشفاعة الثانية الخاصة به صلى الله عليه وسلم: أنه يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، بمعنى: أن أهل الجنة عندما يحبسون على قنطره بين الجنة والنار فينزع ما في صدورهم، قال الله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف:٤٣]، ثم بعد ذلك يجدون أبواب الجنة مغلقة، فيأتون آدم فيردهم إلى محمد، فيأتي صلى الله عليه وسلم فيطرق باب الجنة، فيقول له الخازن: من أنت؟ فيقول: أنا محمد، فيقول الخازن: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك فيفتحها، فيدخل الناس الجنة، يدخل كل أحد من الباب الذي فيه أكثر أعماله، أي: من كان أكثر أعماله الصلاة يدخل من باب الصلاة، والذي أكثر أعماله الصيام يدخل من باب الريان، والذي أكثر أعماله الجهاد يدخل من باب الجهاد وهكذا، فهذه الشفاعة الثانية له صلى الله عليه وسلم.
الشفاعة الثالثة الخاصة به صلى الله عليه وسلم: شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب، فهو في ضحضاح من نار لكن لا يخرج من النار.
وأبو طالب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وأعمام النبي عشرة، أدرك أربعة منهم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم منهم اثنان، وكفر اثنان، فاللذان كفرا أبو طالب وأبو لهب، واختلف حالهما، فـ أبو لهب كان شديد العداوة مع كفره، وأبو طالب كان شديد النصرة مع كفره، لكن كلاهما في النار إلا أن أبا طالب يخفف عنه بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما اللذان أسلما فهما العباس وحمزة، وحمزة أفضل من العباس، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الطبراني بسند صحيح: سيد الشهداء.
فهذه الشفاعة الثالثة، وبقيت شفاعتان، وهاتان الشفاعتان له ولغيره من الملائكة والشهداء والصالحين والعلماء، فيشفع الرجل في أهل بيته، ويشفع الرجل في قرابته، وفي جيرانه، وفي معارفه، وهذه شفاعة مشتركة، وتنقسم إلى قسمين: شفاعة في أقوام استحقوا النار ألا يدخلوها، وشفاعة في أقوام دخلوا النار أن يخرجوا منها.
وهاتان الشفاعتان أنكرهما فرقتان من فرق المبتدعة هما: المعتزلة والخوارج.
فالخوارج يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، والمعتزلة يرون أنه تجرى عليه في الدنيا أحكام أهل الإيمان، وتجرى عليه في الآخرة أحكام أهل الكفر إذا لم يتب من الكبائر، ويقولون: هو الدنيا في منزلة بين منزلتين.
ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين جل جلاله فيقول الله جل وعلا: (شفع النبيون، وشفعت الملائكة، وشفع المؤمنون فبقيت شفاعة أرحم الراحمين، فيضع قبضته في النار جل وعلا فيخرج منها أقواماً قد حرقوا بالنار حتى عادوا حمماً لم يعملوا خيراً قط، ثم توضع على رقابهم الخواتم ويدخلون الجنة، فيقال: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة من غير عمل عملوه ولا خير قدموه)، رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وإن رباً هذه سعة رحمته أهل لئن ترجى رحمته.
اللهم إن لم نكن أهلاً لئن ترحمنا فإن رحمتك أهل لئن تسعنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لئن ترحمنا فإن رحمتك أهل لئن تسعنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لئن ترحمنا فإن رحمتك أهل لئن تسعنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لئن ترحمنا فإن رحمتك أهل لئن تسعنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لئن ترحمنا فإن رحمتك أهل لئن تسعنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.