ثم قال جل وعلا:{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ}[الطور:٤] وهذا القسم الثالث، والبيت المعمور: هو بيت في السماء السابعة على أظهر الأقوال، قال العلماء فيما نقل من آثار يعضد بعضها بعضاً: إن هذا البيت في السماء السابعة فوق الكعبة، فلو سقط منه شيء لسقط على الكعبة.
ومن العلماء من يقول إن البيت المعمور المقصود به هنا الكعبة نفسها؛ لأنها تعمر بالطائفين، والعباد، والراكعين، والساجدين.
ولكن في هذا السياق نرجح أنه البيت المعمور الذي في السماء السابعة؛ لأن البيت المعمور وردت تسميته بذلك في الحديث، حيث قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في الإسراء والمعراج:(فإذا أنا برجل قد أسند ظهره إلى البيت المعمور) يقصد خليل الله إبراهيم، فلما ورد في السنة أن البيت المعمور هو بيت في السماء السابعة، وجاء في أثر آخر أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يسبحون الله لا يعودون إليه إلى يوم القيامة؛ قلنا: إن الأرجح أن يكون المقصود بالبيت المعمور هو البيت الذي في السماء السابعة.
وقلنا: ثمة رأي يقول: إن البيت المعمور المقصود به الكعبة، وكلا القولين وجيه، ولكن الأول -فيما نعلم والله أعلم- هو أرجح، وهو قول أكثر المفسرين رحمهم الله.
والذي يعنينا أن الرب تبارك وتعالى -لا رب غيره ولا إله سواه- يُعبد في الأرض ويُعبد في السماء، وهذا معنى قول الله جل وعلا:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف:٨٤] أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض، وأنت إذا قرأت مثل هذه الآيات وعلمت أن الله يقسم بالبيت المعمور، وأن هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، وأنه في السماء السابعة، وأن الله جل وعلا يُعبد؛ تعلم يقيناً أنه كم من عبد صالح غيرك يعبد الله، وليس لك ولا لغيرك، فالله جل وعلا غني عن كل خلقه بلا استثناء، وكل خلقه بلا استثناء فقراء إليه شاءوا أم أبوا، فكل الخلق فقراء إلى ربهم تبارك وتعالى، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:١٥] وهذا الذي يتركه أثر القرآن في نفوسنا إذا تلوناه وقرأناه.