للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأملات في قول الله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)]

قال الله جل وعلا: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨].

هذه الآية إلى مسار الفقه أقرب.

أولاً: أجمع المفسرون على أن المقصود بهذه الآية الصلوات الخمس، والصلوات الخمس أربع منهن متعاقبات، بمعنى أنه لا تفصل واحدة عن الأخرى في الوقت.

وتبدأ الصلوات من الظهر، وقد مر معنا أن صلاة الظهر أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم فريضة، حيث نزل جبريل فأمه عند الكعبة بصلاة الظهر، وما إن ينتهي وقت صلاة الظهر حتى يدخل وقت صلاة العصر، وينتهي وقت صلاة العصر بغروب الشمس وهو دخول وقت صلاة المغرب، وينتهي وقت صلاة المغرب بغياب الشفق، وهو غياب الهلال الليلة الثالثة من كل شهر، فيدخل وقت صلاة العشاء فيمتد حتى نصف الليل كوقت اختيار، وإلى ثلث الليل الثاني كوقت اضطرار، ثم ينقطع وقت الصلوات، فيبقى من ثلث الليل الثاني إلى طلوع الفجر الصادق ليس وقت فريضة.

ومع طلوع الفجر الصادق يدخل وقت الفجر إلى طلوع الشمس، ثم من طلوع الشمس إلى زوال الشمس الذي هو دلوك الشمس لا يوجد صلاة فريضة، فأصبحت أربع متعاقبات وواحدة مفصولة، فالله يقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:٧٨]، أي: زوالها على الأظهر.

{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:٧٨]، أي: اجتماع ظلمته واشتدادها.

{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:٧٨]، (قرآن) إما أن تكون منصوبة بالفعل المضمر المعطوف أي: وأقم قرآن الفجر، وإما أن تكون منصوبة على الإغراء فيصبح المعنى: عليك بقرآن الفجر، وقد قال العلماء: إن الله قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:٧٨]، مما يدل على أن القراءة في صلاة الفجر ركن مهم جداً، كما دل قوله سبحانه: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:٧٨]، على أن الأصل في صلاة الفجر الإطالة.

وقد يعرض عارض ينقلها عن الإطالة كما نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بالمعوذتين في سفر، لكن الأصل أنه كان يقرأ فيهما ما بين الستين ومائة وعشرين آية، وقرأ فيهما ذات مرة في الركعة الأولى بـ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١]، حتى وصل إلى الآية التي فيها ذكر موسى وهارون فأخذته بحة صلوات الله وسلامه عليه فركع.

وكان أبو بكر رضي الله عنه ممن يطيل القراءة في صلاة الفجر، لكن قلنا قد يعرض عارض فيقرأ الإمام تخفيفاً، كقراءة بعض الأئمة أيام الامتحانات وما أشبه ذلك، ويحسن من الإمام أن يخفف إذا كان يعلم أن وراء الناس قضية مهمة.

ورد عن الشيخ عبد العزيز بن صالح في الحرم أنه في صلاة العيد كان يقرأ سورة الرحمن في الفجر، يطيل ويقرؤها ترتيلاً؛ ولكن لا يحسن أن يطيل الأئمة في بعض المساجد كما يطيلون في الحرم؛ لأن الذين في الحرم ليس وراءهم شيء، إنما ينتظرون الصلاة الأخرى، ولن يخرجوا، لكن لو قدر أن أحد الأئمة يوم العيد أطال على الناس في صلاة الفجر وقرأ سورة المؤمنون مثلاً فسوف يغضب الناس لأنه لم يدع لهم وقتاً يخرجون فيه حتى يغتسلوا ويذهبوا إلى صلاة العيد، لكن يكون هذا الأمر محموداً لو كان الناس سيصلون العيد في نفس المصلى، كما في الحرمين.

فعلى الإنسان أن يفقه الدين ويفقه أحكام الفقه قبل أن يتصدر في إمامة الناس، ويعرف متى يطيل ومتى يقصر! نقول: إن الأصل في قرآن الفجر الإطالة، والعلماء يقولون: إن أطول الصلاة التي يقرأ فيها: الفجر، ثم الظهر، ثم العصر والعشاء، ثم المغرب، ويقرنون بالظهر صلاة الجمعة.

فالأصل في صلاة المغرب التخفيف، والأصل في العصر والعشاء التوسط، والأصل في الظهر أن تكون طويلة نسبياً.

وقد دلت السنة على أن أطول الصلوات صلاة الفجر، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام تفسيراً لقوله جل وعلا: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨]، أن قرآن الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وهنا أخذ العلماء فائدة وقالوا: بما أن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل والنهار، فصلاة الفجر لا توصف بأنها من صلاة الليل ولا توصف بأنها من صلاة النهار، والعلم عند الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>