للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان حكم ذكر العزة والحكمة مع المغفرة]

ولم يقل عيسى هنا: وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم وهذا مرده إلى أن الموقف موقف عظمة وخطب جليل، ولا يريد عيسى أن يظهر بمظهر من يملي على ربه ما يفعل، ولذلك قال بما يناسب واقع الحال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨] بمعنى: أنك لو غفرت غفرت وأنت قادر على أن تعذب، ولكن لحكمة لم تعذبهم، وإلا فليس عفو الله عمن يعفو عنه لضعف أو عجز كما يفعل بعض أهل الدنيا، كمدير ضعيف شخصية يتأخر عنده المدرس في الحضور وله قرابات وشفاعات، فيقول: هذه المرة لن نكتب تأخرك ولن نعاقبك، فهذا عفو ولكنه ناجم عن ضعف، وأما عفو الله جل وعلا عمن يعفو عنه فناتج عن عزة وقدرة، وإلا فإن الله قادر على أن يعذبهم، ولذلك قال عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨].

وهذه الآية ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة يرددها، وثبت عند مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله جل وعلا عن إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم:٣٦]، وقول الله في هذه الآية عن عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨]، ثم بكى صلى الله عليه وسلم، فلما بكى جاءه جبرائيل بعد أن بعثه الله وقال له: سل محمداً علام يبكي؟ والله أعلم بذلك، فجاءه جبرائيل فسأله فقال: أمتي أمتي.

فقال الله جل وعلا: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)، ولهذا قال العلماء: إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة، أخذاً من هذا الحديث، فالله جل وعلا وعد نبيه أنه لن يسوءه في أمته، والله جل وعلا لا يخلف الميعاد، والنبي صلى الله عليه وسلم يسوؤه ألا ترحم أمته، والله قد وعده ألا يسوءه.

<<  <  ج: ص:  >  >>