للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان حل أكل لحم البحر في حال طراوته وغيرها]

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل:١٤]، كلمة ((طَرِيًّا)) جاءت هنا صفة للحم، والصفة نوع من أنواع القيد، ولكن القيد هنا لا يدل على حل ولا على تحريم؛ لأن السياق سياق امتنان.

بمعنى أنه لا يصح أن يأتي إنسان ويقول: إن لحم السمك إن لم يكن طرياً لا يجوز أكله، فإذا قلنا له: لماذا لا يجوز؟ قال: إن الله يقول: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل:١٤] فنقول: إن الآية واردة مورد الامتنان، فلا يقبل الاستدلال بالقيد هنا؛ لأن المقصود بالامتنان أن أفضل ما يؤكل فيه لحمه عند أن يؤكل طرياً حال خروجه، وفهم قواعد العلم يعين على فهم كلام الرب.

ثم إنه ثبت في الصحيح وغيره أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه وأرضاه خرج في سرية مع أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم وهو عليهم أمير، فأصابهم جوع شديد فرمى البحر لهم بحوت يقال له العنبر، فأكلوا منه نصف شهر، ولا يعقل أن يبقى الحوت نصف شهر وهو طري، فبقي نصف شهر يأكلون منه، فأخرج أبو عبيدة عظماً من هذا الحوت فدخل من تحت ذلك العظم رجل على فرسه، فحملوا بعضه إلى المدينة فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بما أكلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما هو رزق ساقه الله إليكم فكلوه) أي: أن أكلكم له مباح، والنبي أفضل من ربى أصحابه ومن حوله، فقال: (هل عندكم منه شيء؟) وما يريد النبي صلى الله عليه وسلم بحوت له نصف شهر، ولكن لما أعطوه إياه أكل منه حتى لا يبقى شيء في قلوب الذين أكلوا من الحوت وقت خروجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>