وقلنا: إن من ذرية هذا الرجل كانت فرق الخوارج بعد ذلك، والخوارج والشيعة -كما قلنا- فرقتان متلازمتان من حيث الظهور، وعلى وجه الإجمال نذكر بعض المقارنة العلمية المحضة بين الفرقتين فنقول: فكلتاهما فيهما الغلو، ولكن الخوارج يغالون في الأحكام، والشيعة يغالون في الأشخاص، فالشيعة غلوا في علي وآل البيت حتى أوصلوهم إلى منازل ليست لهم، حتى قال الخميني في كتاب له اسمه (الحكومة الإسلامية): وإن من أصول مذهبنا أن لأئمتنا منزلة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
يقصد بأئمتهم الأئمة الإثني عشر من آل البيت، وهؤلاء قوم مرضي عنهم صالحون، ولكن هؤلاء غلوا فيهم مغالاة فاحشة.
والخوارج يغالون في الأحكام، فيأتون إلى الحكم فيتشددون فيه على غير فهم وعلى غير علم، وينزلونه جبراً على الناس، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: أن الخوارج يعتمدون على الصدق والمكاشفة، ولا يضمرون شيئاً، والشيعة يعتمدون على التقية والمواراة والالتفات، والخوارج قوم يظهرون ما عندهم، ولذلك جابهوا الحكام عبر الدهور، فجابهوا علياً، وجابهوا الأمويين، وجابهوا عبد الملك، ولا يستترون بشيء، ولكن الشيعة قوم يتحايلون؛ لأنهم قوم يؤمنون بالتقية إلى وقت خروج المهدي الذي يزعمون ويرتقبون خروجه.
فالخوارج يعتمدون على الصدق؛ لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، فلا يكذبون، في حين أن الشيعة يعتمدون على الكذب؛ لأنهم يعتقدون جواز التقية، فيعتمدون على الكذب، والخوارج لا يرون الكذب أصلاً؛ لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، فيعتمدون على الصدق، ولذلك كان عمران بن حطان أحد زعماء الخوارج وشعرائهم وأخرج له البخاري في الصحيح، اعماداً على أنه لا يكذب أبداً في كلامه؛ لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر.
والخوارج أشد شجاعة، فهم لا يخافون الموت لا يهابونه عبر التاريخ كله، يقول قطري بن الفجاءة: أقول لها وقد طارت شعاعا من الأعماق ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم عن الأجل الذي لك لم تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع فهذه الأبيات كلها لرجل من أكبر زعماء الخوارج اسمه: قطري بن الفجاءة.
في حين أن الشيعة يرغبون بقاء أنفسهم عبر التاريخ، ويحافظون على سلامة أنفسهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.